في صباح الجمعة الماضية، وضمن ساعات عمل محمود في محطة بنزين لعلامة تجارية شهيرة؛ أخبر زملاؤه بالـ"شيفت المسائي" أن أسعار المواد البترولية ارتفعت، لتكون هي المرة الثالثة خلال العام الجاري، حتى أن ليلة "الجمعة" -وهو إجازة رسمية لدى الأغلبية العاملة في مصر- بات مرتبطًا منذ سنوات بقرارات رفع الأسعار، تنام فيها الأسرة/الأفراد ليلًا ليستيقظوا على حال تبدأ معه من جديد عملية البحث عن بدائل لمواجهة الغلاء.
وجاء في البيان المنشور على الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية، صباح الجمعة الماضي، أن لجنة التسعيرة التلقائية لمنتجات البترول، التابعة لوزارة البترول، قررت "تصحيح سعر المواد البترولية"، وهو المصطلح الذي استخدمه البيان بدلًا من القول صراحة أنه "زيادة"، ووفقًا للأسعار الجديدة، فقد ارتفع سعر بنزين 95 من 15 جنيه إلى 17 جنيه، ووصل سعر بنزين 92 من 13.75 لـ15.25 جنيه، وبنزين 80 ارتفع من 12.25 لـ13.50 جنيه، ورفع سعر السولار لـ13.50 جنيه بدلًا من 11.50 جنيه.
يتذكر محمود -وهو اسم مستعار لطلبه عدم ذكر اسمه الحقيقي- مشهد دخول أول سيارة لملئ خزان البنزين بالسيارة، ورد فعل صاحب السيارة وتساؤله: "يعني إيه؟.. مش كان غلي من كام شهر؟". يصف محمود أن تعبيرات وجهه كانت تعبر عن الاندهاش، ثم بعد انتهاء العملية، دفع المبلغ وعلى وجه تبدو أمارات ساخرة وغاضبة، بينما لم يترك لمحمود البقشيش المعتاد الذي لا يتخطي خمس جنيهات.
5 جنيهات في عام للسولار
وفي موقف ميكروباصات المطبعة بدار السلام؛ علمت صوت السلام أن سائقي الميكروباصات اجتمعوا بعد ساعات من تطبيق قرار الزيادة يوم الجمعة للاتفاق على التسعيرة الجديدة، ورفع سعر الأجرة بقيمة نصف جنيه لأغلب الرحلات، لاستيعاب ارتفاع سعر السولار.
فيما ارتفعت الرحلات الأطول بجنيه واحد؛ فميكروباص الجيزة والسيدة زينب ارتفع من 5 جنيهات ونصف لـ6 جنيهات، وميكروباص المعادي من 3 جنيهات ونصف لـ4 جنيهات، ورحلة المحور-البراجيل ارتفع إلى 9 جنيهات، بعدما كانت 8 جنيهات.
الجدير بالذكر أن أسعار السولار ارتفعت على مدار العام، ففي 2023 وصل سعر لتر السولار 8.25 جنيه، بعدما كان سعر اللتر 5 جنيهات و25 قرشًا، وفي مارس 2024 وصل إلى 10 جنيهات، ثم في يونيو بلغ سعره 11.50 جنيه.
وفي مشهد مكرر؛ تفاجأ راكبو الميكروباص بأجرة جديدة بعد استقلالهم للسيارة، منهم ليلى محمد-24 عام، فبعد استقلالها السيارة المتوجهة إلى المعادي، أخبر السائق الركاب: "الأجرة بقت 4 جنيه يا حضرات"، لتكتشف أن سعر الأجرة في المواصلة الثانية ارتفعت نصف جنيهًا أيضًا، إذ ارتفعت ميكروباصات صقر قريش من 4 جنيهات ونصف إلى 5 جنيهات.
تستقل ليلى ميكروباص المعادي أغلب أيام الأسبوع بسبب عملها في إحدى شركات خطوط الهواتف، في منطقة (صقر قريش) بالمعادى، تقول إنها باتت تنفق نصف راتبها تقريبًا في الانتقالات من منزلها إلى مقر عملها، رغم استخدامها وسيلة المواصلات الأقل في السعر وهي (الميكروباص)، تعلق: "النص جنيه مش هيفرق.. لكن لو نص جنيه كل كام شهر هتفرق".
حاولت ليلى استخدام حافلات النقل العام التي تساوي في تكلفتها الميكروباص، إلا أنها تعاني من زيادة وقت الانتظار في المحطة، مما يعرضها للتأخير عن موعد عملها.
إلى متى نستغنى؟
يقول عبد الحميد محمد، سائق ميكروباص بخط المطبعة - الجيزة، إن زيادة السعر جنيهًا كاملًا قد يؤثر على بعض الخطوط للرحلات القصيرة، وقد تختفي بعض الخطوات، مثل خط المطبعة - الملك الصالح، الذي اختفي من الموقف خلال هذا العام بسبب رفع سعر البنزين أمام أجرة قليلة، وفي المقابل زبائن يرفضون رفع السعر.
كما لاحظ محمد أن أصحاب الميكروباصات لم يعودوا يقوموا بتأجير سياراتهم لسائقين غيرهم، بل باتوا هم أنفسهم يقوموا بقيادتها، وذلك بسبب زيادة عبء دفع راتب أو يومية سائق آخر.
ومثل السائقين، أثرت الزيادات المستمرة على الركاب، من بينهم معتز محمود، 28 عام، الذي كان يستخدم "سكوتر" من تطبيقات التوصيل، فهي مواصلة سريعة تناسب شكل ظروف عمله كمندوب أجهزة طبية، يضطر إلى التنقل من مكان لأخر بشكل يومي، وهذه الوسيلة تساعده للانتقال بشكل أسرع، رغم أن سعرها يُعدّ أغلى من الميكروباص والأتوبيس.
قرر محمود الاستغناء عن تلك الوسيلة واستخدام الميكروباص والتوكتوك، حتى لا تتأثر ميزانيته، الذي يغيرها كل شهرين تقريبًا، بسبب رفع سعر البنزين، الذي يليه سلسلة من رفع الأسعار، ومع أول رحلة بالـ"سكوتر" صباح السبت، من شارع مصر حلوان الزراعي لمستشفي القصر العيني، تغير سعرها من 30 جنيه إلى 50 جنيه، بزيادة أكثر من نصف السعر.
قرر محمود إلغاء الرحلة إلى القصر العيني، واتجه مشيًا إلى محطة مترو حدائق المعادي، واشتري تذكرة مترو بـ8 جنيهات إلى محطة السيدة زينب، ثم قرر المشي بعدها إلى مستشفى القصر العيني، وهو يسمع أغاني فيروز، محاولًا نسيان أنه خلال العام استغنى عن العديد من الأشياء أغلبها ليست رفاهيات.
كذلك استغنى مصطفى سيد- محاسب ورب أسرة- عن استخدام التوكتوك، وكان البديل المشي على الأقدام، ليوفر المبلغ الذي ينفقه على التوكتوك الذي يتنقل به داخل منطقة دار السلام، ليصل لباقي المواصلات، لأنه لا يستطيع الاستغناء عن مواصلات العمل، أو تخفيض ميزانية المنزل.
ويري سيد أن القلق الحقيقي لديه يتمثل في الأسابيع القادمة، المتوقع فيها رفع سعر السلع الأساسية، وسعر باقي المواصلات.
آخر زيادة لستة شهور أخرى
الجدير بالذكر أن الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أدلى خلال زيارته، أمس السبت، إلى محافظة المنيا، بتصريحات تليفزيونية، إذ أكد الدكتور مصطفى مدبولي أنه تابع كذلك ردود الأفعال بعد الزيادات التي حدثت مساء الخميس في الوقود، مُذكرًا الحضور بأنه قام بالحديث حول هذا الموضوع سابقًا، وشرح مدى ما تحملته وتتحمله الدولة من أعباء نتيجة للزيادات الهائلة في أسعار المنتجات البترولية والوقود، والتي تحملتها الدولة بصورة كبيرة لتدبير موارد إضافية، لضمان عدم انقطاع الكهرباء مرة أخرى.
وأضاف أنه سبق وأن تحدث بمنتهى الوضوح عن "أننا مضطرون لزيادة تدريجية في أسعار الوقود حتى نهاية 2025، وبالتالي فإننا نتخذ خطواتنا في ضوء ذلك"، مشيرًا إلى أن النقطة الهامة التي يريد التأكيد عليها، أنه بالتنسيق مع وزير البترول ووفق دراسات أجرتها الحكومة، ترتبط باستهداف ضبط التضخم، فقد تم التوافق مع إعلان الزيادة الأخيرة، على ألا تحدث زيادة أخرى خلال الأشهر الستة القادمة، من أجل تحقيق نوع من الثبات وخفض التضخم في الفترة المقبلة.
وأكد رئيس الوزراء أن الدولة تعي تمامًا تأثير ارتفاع الأسعار على المواطن، ولا توجد حكومة ترغب في زيادة الأسعار، ولكن اللجوء إلى ذلك في إطار دراسة المنظومة، وانطلاقًا من إدراك حجم العبء المالي الكبير الذي تتحمله الدولة والحكومة، منوهًا إلى أن الدولة تحرص على تحمل الجزء الأكبر من الأعباء عن المواطن.
وشدد رئيس الوزراء على أن هذا هو توجه الحكومة، ولن تقوم بتغييره قدر الإمكان، وسوف تعمل الدولة دائمًا على تحمل العبء عن الشرائح الفقيرة من المواطنين، وتحقيق التوازن في خدمات الكهرباء، وأي خدمات أخرى تمس حياة المواطنين، ودائمًا سوف يتم مراعاة الشرائح التي تمثل الفئات محدودة ومتوسطة الدخل، وسيظل الدعم موجودًا حتى بعد الوصول إلى نقطة التوازن.