لم يُفارق مجدي -ذوي الإعاقة الذهنية- جدران منزله، منذ يوم الخميس الموافق 1 أغسطس. اعتذرت والدته، سيدة سعيد، عن مواعيد جلسات التأهيل، ومواعيد تمارينه بالنادي، حتى تفكر وتحسم قرار ميزانيتها، بعد رفع سعر تذكرة المترو الخاصة بذوي الإعاقة لعشرة أضعاف، الخميس الماضي.
في صباح الأول من شهر أغسطس، ارتفع سعر تذاكر المترو للمرة الثانية في نفس العام، بعد زيادة سعرها في يناير الماضي، بنسب تتراوح بين 25% إلى 33%، بالتزامن مع قرار رفع سعر المنتجات البترولية قبل أسبوع، لكن لم يكن مُتوقعًا تضاعف سعر تذاكر ذوي الإعاقة من نصف جنيه (50 قرش) إلى 5 جنيهات، بعد سنوات من ثبات سعرها، وعدم إدراجها في قرارات زيادة أسعار تذاكر المترو، خلال السنوات الماضية.
الخبر شغل الجميع
تفاجأت والدة مجدي برفع سعر التذكرة، حتى أنها اعتبرته خبرًا مفبركًا حينما أرسلت لها صديقتها خبر رفع السعر عبر تطبيق "واتساب"، واعتقدت أنه مثل بعض الأخبار التي تتلقاها عبر مواقع التواصل، لكن بعد ساعات من انتهائها من عمل وجبة الإفطار لمجدي وباقي اخوته، اكتشفت من خلال مجموعات "الفيسبوك" الخاصة بذوي الإعاقة ومراكز التأهيل أن الخبر حقيقي.
تصف سيدة أن الخبر شغل مجتمع ذوي الإعاقة بشدة "لمدة يوم كامل الأهالي كانوا في قمة الغضب"، إذ عبروا عن مشاعرهم عبر مواقع التواصل، كما فعلت سيدة وطالبت في منشور بعودة التذكرة لسعرها القديم. قضى مجدي المصاب بإعاقة ذهنية فترة دراسته مُستخدمًا المترو يدفع نصف جنيه للتذكرة الواحدة، وكانت تصطحبه والدته يوميًا للمدرسة.
بلغ مجدي اليوم 32 عامًا، وأصبح يستخدم المترو في الذهاب إلى تمرين الجري، بالإضافة إلى جلسات التخاطب والدعم النفسي والتأهيل، تلك الرحلات تبدأ من منزله في منطقة دار السلام إلى مصر القديمة أو عابدين بوسط البلد.
المترو يلتهم المرتب
يستغرق مجدي نحو 4 أيام كل أسبوع لقضاء مشاويره، يختار فيهم المترو لأنها مواصلة تُدعّم ذوي الاحتياجات الخاصة، وتبلغ تلك الرحلات شهريًا حوالي 32 رحلة، أي أنها تُكلّفه 32 جنيه شهريًا، بعد الزيادة الأخيرة سينفق مجدي نحو 160 جنيهًا.
ربما تبدو التكلفة غير كبيرة، إلا أن مجدي الذي يعمل موظف بالقسم الإداري في مستشفي كليوباترا، يبلغ راتبه الشهري 750 جنيه، أي أن ميزانية استقلال المترو وحدها تشكل نحو 21% من راتبه، فيما ينفق بقية راتبه على الدواء الخاص به، كما أن جلسات التأهيل الخاصة به تكلفه 600 جنيه في الشهر، فضلًا عن مصروفات تمرينه "مرتبه مش هيكفي نص مصاريفه أصلًا".
أين دعم ذوي الهمم؟
حسب سيدة، بدأت تضييقات المترو تحدث منذ عامين، لاحظتها حينما لاقت تعليمات مشددة من موظفي المترو، "زي إن أنا كمرافق أدفع تذكرة لوحدي"، قبل ذلك كانت توجد بعض التسهيلات، مثل أن ابنها وهي يستخدمان تذكرة واحدة فقط، لم تكن تلك أزمة كبيرة بالنسبة لسيدة، فالأهم بالنسبة لها هو حصول ابنها على الدعم المُستحق له.
تتحدث سيدة بغضب متسائلة "فين الدعم الرئاسي لذوي الهمم اللي بيتكلموا عنه في كل المؤتمرات؟"، فمنذ تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي حكم مصر في عام 2014، وكان هناك اهتمامًا كبيرًا بأمور ذوي الاحتياجات الخاصة، أبرزها إصدار قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 10 لسنة 2018، وهو نفس العام الذي أعلن فيه الرئيس تخصيصه ليكون عام ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر، فضلًا عن العديد من المبادرات وصندوق للدعم لهم.
بسبب ذلك تنفي سيدة في حزن أنها ترى أوجه ذلك الدعم، قائلة "احنا ممسوكين من إيدينا اللي بتوجعنا وهو المترو، أنا بحب أخرجه عشان يعمل الأنشطة اللي بيحبها، بتخلونا نحبس العيال ليه؟! كفاية الصعوبات اللي تواجههم".
لم يكن مجدي فقط المتضرر، فهناك 11% من إجمالي سكان مصر من ذوي الإعاقة، بحسب بيان صحفي للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، بمناسبة اليوم العالمي لذوي الإعاقة في 2022.
"حتى هيئة النقل بتدوس علينا"
في منطقة الدمرداش بالقاهرة، تجلس زينب علي أمام قاعة جلسات التأهيل، تنتظر ابنها سيف المصاب بمتلازمة داون، بعد أن اشترت تذكرة بسعر 5 جنيهات، صباح السبت الماضي، مُخلفة ورائها أنصاف الجنيهات التي كانت لسنوات جزء أساسي في محفظتها الشخصية؛ فالمترو بالنسبة لها وسيلة المواصلات التي تشعر فيها بالأمان وتناسبها ماديًا، كما يستخدمها سيف في الوصول إلى مدرسته بمنطقة عابدين.
أثناء ساعة الانتظار أخذت زينب تفكر في كيفية دعم ميزانية ابنها سيف، أمام معاشه من تكافل وكرامة لذوي الإعاقة، الذي يبلغ 665 جنيهًا، لمن دون 18 عام، تقول زينب إنها تشعر بالتهديد بعد رفع السعر، فمن وجهة نظرها أن رفع سعر التذكرة يعني أنها لا تُمسّ، ومن المحتمل فرض زيادات جديدة على التذكرة في المستقبل.
"حتى هيئة النقل بتدوس علينا".. تقصد زينب أن ذوي الهمم لا يحصلون على كافة حقوقهم في مصر، فكان المترو الوسيلة الوحيدة التي ترى من خلالها دعم المؤسسة لتلك الفئة، تتفق معها نادية عوض التي يستخدم ابنها كيرلس المصاب بمتلازمة داون المترو يوميًا، للذهاب لمركز التأهيل وجلسات التخاطب في منطقة زهراء المعادي.
بعد رفع سعر التذكرة فكّرت نادية أنها ستقلل من ذهاب ابنها للتنزه، حتى تُوفر نفقات المترو وجلسات التأهيل، إذ أنها تتوقع أن سعر الجلسة سيرتفع أيضًا بعد زيادة البنزين والمترو.
مجتمع الأمهات غاضب
قبل صدور القرار بيوم واحد، استيقظت أماني جمال، المسؤولة بجمعية "أماني الجميلة" لذوي الإعاقة بدار السلام، على صوت إشعارات هاتفها، إذ تتناقش أمهات الأطفال المشاركين بالجمعية عبر مجموعة "واتس آب" خبر الزيادة، والغضب يُسيطر عليهن.
بين حالة الغضب، تقول أماني إن بعض الأهالي يلجؤون للمترو لأنه الوسيلة الأكثر أمانًا على أبنائهن، وهو مُصمم بطريقة تناسب إعاقتهم باختلافاتها، من خلال تواجد مقاعد لذوي الإعاقة، كما تتواجد مصاعد لأصحاب الإعاقات الجسدية، ومُستخدمي الكراسي المتحركة، إلى جانب سعره المناسب لهم.
تشارك أماني الأهالي غضبهم من القرار، لأنها تعمل لسنوات بالجمعية وتعلم وقع رفع السعر عليهم، وتوضح أن بعض الأهالي يُفضلوا تقديم أبنائهم في مدارس ليست لذوي الإعاقة، لمجرد أن المدرسة تقع بجوار المترو "وبيتحملوا أي تحديات مقابل القرار ده".
تعيش الآن أم مجدي وأم سيف وأم كيرلس حالة من الغضب لم تهدأ بعد، فبعد سنوات من شعورهن بدعم ولو قليل، أزيل فجأة ودون مراعاة لالتزامات الحياة الصعبة، وليس عليهن سوى التفكير في تقليل النفقات، لأن المترو سيظلّ الوسيلة الأكثر أمانًا لأبنائهن من ذوي الاحتياجات الخاصة.
وقد حاولنا التواصل مع أحمد عبد الهادي بكير، المتحدث الرسمي لهيئة مترو الأنفاق للرد على سبب زيادة سعر تذكرة ذوي الإعاقة عشر أضعاف، إلا أنه رفض التعليق.