على مدار 40 عامًا اعتاد عطية محمد، صاحب محل عصير، كل صباح أن يفتح محلّه في التاسعة صباحًا، ليستعد ليوم عمل شاق قد يمتد للواحدة صباحًا، خاصة في موسم الصيف. روتين عطية اليومي معلوم؛ يُخصص أول ساعة في اليوم للنظافة وإنتاج العصائر المثلجة، بعدها يُنظف جهازة عصارة القصب التي كانت صديقته طوال أعوام عمله.
لم يكن يدري عطية أنه بعد أعوام من مزاولة المهنة، أن يضطر لغلق محله في العاشرة مساءً، بسبب القرار الوزاري الصادر، يوم الثلاثاء الماضي، لترشيد استهلاك الكهرباء، ويُعدّ القرار ضمن سلسلة قرارات اتخذتها الحكومة لإنهاء أزمة انقطاع الكهرباء المُستمرة من العام الماضي، فقد وعدت الحكومة في المؤتمر الصحفي بوقف انقطاع الكهرباء منذ الأسبوع الثالث في يوليو القادم، ثم العودة ثانية لتخفيف الأحمال بعد انتهاء موسم الصيف، مع الوعد بتوقفها التام في نهاية العام.
شعر عطية بالحسرة ما إن تردد على مسامعه القرار، فموسم الصيف له خصوصية، إذ يزداد دخله مع ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الإقبال على شراء العصائر.
غلق المحال التجارية لترشيد استهلاك الكهرباء
يوم الأحد الماضي جرت مُلابسات بين زيادة ساعات تخفيف الأحمال لثلاث ساعات، بمعدل ساعة إضافية منذ بداية تخفيف الأحمال وبدء تطبيقها، دون إصدار بيان من رئاسة الوزراء أو وزارة الكهرباء، والشركة القابضة لكهرباء مصر.
وفي اليوم التالي للتطبيق صدر بيان من الوزارة بساعة إضافية لمدة يومان فقط، هما الأحد والإثنين، لكن بعد إنتهاء اليومين أصدرت رئاسة الوزراء قرار باستمرار الساعة الإضافية حتى نهاية الأسبوع، مما أثار غضب المواطنين، الذين عبروا عنه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب درجات الحرارة المرتفعة التي تخطت 37 درجة مئوية، ومواعيد الانقطاع العشوائية وزيادة عدد ساعات القطع.
وفي صباح الثلاثاء بعد ليلة من غضب المواطنين، وجّه الرئيس عبد الفتاح السيسي توجيهات للأجهزة المعنية بحلّ الأزمة، مما استدعى اجتماعًا عاجلًا بين رئاسة الوزراء ووزارة الكهرباء، أصدر بعدها رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، سلسلة قرارات تُخفف الأحمال بما يتناسب مع المواطنين، فضلًا عن اعتذار لم يكن كافي بالنسبة لهم، فمن بين تلك القرارات إغلاق المحلات التجارية في الساعة 10 مساءً لترشيد استهلاك الكهرباء، باستثناء محلات "السوبر ماركت" التي ستُغلق في الواحدة صباحًا، بداية من الشهر المُقبل، مما أثار دهشة وغضب اصحاب المحلات.
لا يعرف عطية كيف سيتعامل مع خسارة موسم العمل الوحيد له خلال العام، ويقول مُستاءًا لـ"صوت السلام": "الشغل عندي واقع بقاله سنة، العصير بقي رفاهية بالنسبة للناس بسبب أزمة ارتفاع الأسعار، كمان يضيع مني ساعات عمل، مش كفاية هيكون فيه قطع نور ومش هيكون فيه عصير قصب عشان بيبوظ بسرعة بسبب الحر".
"كأنه عقاب".. لسان حال أصحاب المحلات
على بُعد عدّة شوارع من محل عطية، يقع محل محمود حسن لبيع الدواجن. استاء البائع كثيرًا ما إن وصل إليه قرار غلق المحال التجارية، "القرار عجيب! كأنه عقاب لأصحاب المحلات اللي مستحملين الأزمة، والسوق اللي واقف حاله بقاله أكتر من سنة بسبب ارتفاع الأسعار"، إذ تُعاني مصر من أزمة ارتفاع أسعار بعد تخفيض قيمة الجنيه 4 مرات منذ عام 2022، ووصل سعر الدولار اليوم 48 جنيه مصري.
أثّر ارتفاع الأسعار على سعر الدواجن، فقد وصل سعر كيلو الفراخ البلدي إلى 123 جنيه، مما جعل يوم عمل محمود يطول حتى الحادية عشر مساء، بسبب عدم الإقبال، ويُفسّر البائع بقوله "يوم عملي كان بينتهي 6 مساء قبل ارتفاع الأسعار، لأن الفراخ كانت بتخلص، لكن دلوقتي مبقتش أبيع زي الأول ومينفعش أقفل المحل إلا لما الفراخ اللي عندي أبيعها فبقعد لحد متأخر".
على صعيد آخر، تقف المقاهي في حيرة، لأن القرار الصادر لم يُحدد موقفهم من الإغلاق، بينما تعمل المقاهي في العديد من المناطق مثل دار السلام، لمدة 24 ساعة، يسخر أحمد محمد -عامل مقهى- من عدم توضيح القرار لوضعهم، وأنه من المفترض أن يكون شاملًا لكل المحلات والخدمات، حتى تبدأ الأماكن في الاستعداد من الأسبوع الحالي وترتيب أمورها على القرار الجديد، ثم يُضيف واصفًا "عاملين زي اللي بيرقصوا على السلالم.. محدش يعرف حالنا هيبقى إيه".
فيما ينتظر محمد عبد الرحمن تطبيق القرار من الأسبوع القادم -مدير "سوبر ماركت"- حتى يُغيّر ساعات العمل بالمكان، لتكون مُبكرًا عن المعاد التقليدي حتى تُعوّض ساعات الإغلاق، لأن الـ"سوبر ماركت" يعمل بنظام 24 ساعة، وكل وردية يتغير العاملين، وحتى الآن لا يعرف محمد كيف سيعوض تلك الساعات التى سيُغلق فيها، فضلًا عمّا سيفعله مع العاملين بالورديات التي ستُلغى بسبب القرار.
في الأساس، لا يوافق مدير الـ"سوبر ماركت" على ذلك القرار، لأن القرار غير واضح، وسيكون له تأثير على المبيعات وساعات العمل للمحلات التي تأثرت بالفعل بسبب قرار تخفيف الأحمال.