مش_مجاني | صباح السبت المقبل، تقرع المدارس أجراس الحصة الأولى، وتستعد مدرجات الجامعات لاستقبال طلابها الجدد والقدامى، وقبل أن تصيح صفوف التلاميذ "صفا وانتباه"، تصطف الأسرة المصرية فى مواجهة معركة موسمية طاحنة، تختلف كثيرًا عن سابقتها فى ظل ارتفاع تشهده كل مستلزمات تجهيز أبناؤها.
يقف أولياء الأمور أمام جبهات متعددة تقصف جميعها جيوبهم في آن واحد، بداية من المصروفات الدراسية ومستلزماتها والملابس والكتب والدروس، التي تشهد جميعًا ارتفاعات متلاحقة ما بين انخفاض الجنيه وارتفاع الدولار ومآسي عمالنا فى ليبيا، ناهيك عن ارتفاع الاحتياجات المعيشية نفسها ما بين أجور وأغذية وسلع.
فى هذا الملف نرصد كل الأصوات، الطلاب وأولياء الأمور والباعة، حيث يبحث الجميع عن كيفية تدبير عبورهم لأزمة، تتصدر فيها مشهد أساسي؛ التعليم .. مش مجاني.
اعتادت شوارع محلات الملابس التجارية في دار السلام السهر إلى الليل طوال شهر سبتمبر، تحديدًا شوارع منطقة "أبو طالب" وشارع المصنع بحدائق المعادي، الذي يزدحم بالأطفال والآباء والأمهات لشراء الزي المدرسي، كل هذا اختلف الآن.
تنتشر في "الفتارين" أزياء المدرسة باللون الأحمر والأصفر والأخضر، والتي تبدو من خاماتها أنها ملابس رسمية، كما توجد حقائب ظهر مطبوع عليها كل الشخصيات الكرتونية المفضلة لدى الأطفال، والحقائب العادية لمن هم أكبر سنًا، والكشاكيل التي تملأ المكتبات بألوانها، لكن هذه لوحة ينقصها وجود الأسر والأطفال، والذين اختفوا في ظروف شبه غامضة هذا العام والسابق، بحسب ما رصده أصحاب المحلات.
"مكسب أقل لاستمرارية أكبر"، هكذا اختار حسين جمال، صاحب محل حقائب في "أبو طالب"، أن يمشي مع مسار السوق في هذه الأزمة، ويقلل المكسب حتى يكون سعر القطعة منطقي، لأن ارتفاع سعرها خلال هذا العام، جعل المكسب صعب الحصول عليه كاملًا، كان المكسب 20%، وأصبح 14%.
عبر حسين عن أزمة السوق بتوضيحه أن المنتج المصري أصبح سعره قريب من المستورد، يكون الفرق 50 جنيه تقريبًا، لأن الاستيراد توقف وما يطرح في الأسواق هو من المستورد المُخزن لدى التجار، بينما المصانع المصرية تتكلف خامة وعمالة والذين تكلفتهم ارتفعت بسبب الدولار، رغم عدم دخول الدولار في مستلزمات الخامات المصرية.
ويبدأ سعر الحقائب لدي حسين من 300 حتى 600 جنيه، وقد يكون سعر القطعة المستوردة 350 جنيه أو 400 جنيه، بينما المصري 300 جنيه، ويختلف سعر كلاهما ليصل إلى 600 جنيه، بينما على صعيد المبيعات انخفضت لـ 70% خلال العامين السابقين.
وتحاول الأسر تنفيذ ميزانية تضبط نفقات تكليف عودة الدراسة، ويكون هنا الضحية العمالة أو أصحاب المحلات الذين يتعرضون لأزمات مالية، لذا اضطر صلاح علوي، صاحب محل لبيع الزي المدرسي، أن يُقلل العمالة بالمحل من 5 إلى 2 فقط، ومازال يفكر في أن يصبح شخص واحد فقط، بدلًا من دخوله في أزمات مالية أو الاضطرار إلى غلق المحل.
ويعمل صلاح في أزياء المدارس منذ 40 عام، ورثها المهنة عن والده، لكنه خلال العامين السابقين لأول مرة يقلل عدد العمالة ويشتري نصف البضائع التي يشتريها بشكل سنوي مع الموسم؛ بسبب انخفاض المبيعات، ويشعر أنه على حافة انهيار مشروع عمره هو ووالده.
وخلال حديث صلاح لـ"صوت السلام" والذي استمر لمدة نصف ساعة، لم يدخل له إلا زبون واحد للمحل، سأل عن سعر قطعة ثم رحل، هذه هي طبيعة يوم صلاح، أسئلة تنهال من الزبائن عن أسعار الزي ثم يتلقون صدمتهم ويغادرون المكان، وبعد وقت تدخل أسرة، تشتري زي واحد لكل طفل، رغم أن الطفل قد يحتاج لأكثر من زي؛ بسبب عدد الساعات التى يقضيها في المدرسة التي تعتبر طويلة، والأنشطة التي يمارسها.
يقول صلاح عن أسعار القطع، "التي شيرت يبدأ سعره من 90 حتى 150 جنيه، والبنطلون يبدأ من 100 حتى 150 جنيه، مما يكلف رب الأسرة 300 جنيه تقريبًا للزي الواحد للطفل".
وفي خلال جولتنا داخل الشوارع التجارية، التقينا أسرًا في رحلة التنقيب عن قطع بسعر مناسب للعودة إلى المدارس بمستلزمات جديدة، تحكي هالة محمد، ربة منزل وأم لثلاثة أطفال بمراحل دراسية مختلفة، أن العودة للمدارس أصبح موسم رعب بالنسبة لأسرتهم؛ تحديدًا لأن أطفالها جميعهم في المدارس، بينما كانت لا تشعر بذلك منذ عامين عندما تتكفل بطفلين فقط أو طفل واحد، بينما باقي الأطفال مازالوا في سن ما قبل المدرسة.
وتشعر هالة أن المدرسة تضغطها، وتزيد مصاريفها، تقول: "قبل كل ترم ترسل المدرسين والمدرسات على "جروب الواتس اب" قائمة بالمستلزمات والأدوات المطلوبة لكل مادة، وأحيانًا يطلبوا أدوات غير منطقية، وكثيرة على أطفال في المرحلة الابتدائية".
ولجأت هالة حتى تحل الأزمة وتوفر القليل من المال، لإعادة تدوير مستلزمات العام الماضي، من كشاكيل وأدوات ازياء مدرسية، بينما ينصحها الأمهات على "جروب المدرسة" أن تتوجه إلى منطقة "الفجالة" التى بها سعر أقل للأدوات وبالجُملة، ويمكن أن تشتري عدد كبير من الأدوات بالميزانية التي تضعها لتوفير الأدوات المطلوبة فقط.
وترى هالة أن رفع الحد الأدني للأجور أكثر من مرة لم يناسب الأسعار خلال هذه الفترة؛ لأن القرار الأخير سيتم تطبيقه في أكتوبر بعد بداية المدارس؛ وفي مقابل الـ 500 جنيه الزيادة، ارتفعت الأسعار للضعف، لذا تمنت أن تنخفض الأسعار مع زيادة الأجور حتى تشعر أسرتها بالانتعاش، لأن 500 جنيه تصرفها أسرتها في يومين أو ثلاثة دراسيين بين المصروف والدروس الخصوصية والمواصلات.
وأصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي في 16 سبتمبر الجاري قرارًا بزيادة الحد الأدنى للأجور لكافة العاملين بالجهاز الإداري للدولة والهيئات الاقتصادية للدرجة السادسة من 3500 جنيه إلى 4000 جنيه.
ورغم أن شهر سبتمبر هو ذروة موسم المكتبات طوال العام، لكن مكتبات دار السلام فارغة دون زحام هذا العام، ذلك ما يشرحه لنا أحمد جميل، صاحب مكتبة شهيرة في دار السلام.
"بقيت شغال مع طلاب فنون جميلة وفنون تطبيقية أكتر" بسبب الأزمة أصبح أحمد لا ينتظر من طلاب المدارس أن يكونوا الزبائن ويشكلون موسمه، لأنهم اختفوا تقريبًا، وتبقي زبائن الكليات الفنية، الذي يحاول توفير الأدوات لهم حتى يستمروا في تواجدهم ويحققوا مبيعات فيستمر المحل دون إغلاق.
ومازال زبون أحمد كما هو، فلا استغناء عن الكشاكيل والكتب الخارجية والأقلام، لكن ما لاحظه أحمد أن السلوك الاستهلاكي للزبائن اختلف، فأصبحت الأولوية هو شراء الكتب الخارجية، ثم الكشاكيل والأقلام، والذي أصبح يقتصد فيهم، فبعدما كان يشتري "دستة" أقلام وكشاكيل"، أصبح يشتري عدد قليل من الكشاكيل وقلم أو اثنين؛ ليعوض ارتفاع سعر الكتاب الخارجي الذي يبدأ من 90 حتى 150 جنيه، بينما ارتفع سعر "دستة" الكشاكيل من 22 جنيه لـ 70 جنيه هذا العام، و"دستة" الأقلام من 15 إلى 25 جنيه.
بعد انتهاء مرحلة الشراء التي يحتاجها الطالب حتى يواجه يومه الأول فى المدرسة، يدخل الأهالي في مرحلة تحتاج إلى ميزانية جديدة، بسبب وجبة الإفطار للطالب، التى تحتاج لـ"لانش بوكس"، وتكون الوجبة في الأغلب ذات مواصفات تختلف حسب طبيعة المدرسة والبيئة الخاصة بالأطفال داخل المدارس.