“لا توجد وجبات إفطار هذا العام"، جملة صادمة لم تؤثر فقط على المعتادين على ان توزيع الوجبات نشاط أساسي تمارسه الجمعيات الخيرية في دار السلام، بل امتدت صدمتها إلى العاملين في النشاط الخيري نفسه.
كان المعتاد أن تنفذ الجمعيات الخيرية هذه الأنشطة سنويًا مهما كانت الضغوط المجتمعية المحيطة، سواء كانت اقتصادية أو غير ذلك، فحتى أزمة "جائحة كورونا"، استطاعت الجمعيات مواجهتها الجمعيات الخيرية بمساعدة المتبرعين، حيث وفرت كل جمعية عددًا يوميًا من الوجبات الخاصة بالأسر والحالات المسجلة لديها.
لكن يبدو أنه مع بداية شهر رمضان 2023، اختلف المشهد بالنسبة للجمعيات والوجبات التي تقدمها، فقد اختفت الوجبات اليومية بسبب أزمة ارتفاع سعر الدولار وتأثيره الكبير على ارتفاع أسعار السلع التي وصلت الزيادة فيها إلى الضعف أو أكثر ، ليتحول رمضان من شهر حافل بالأنشطة داخل كل جمعية إلى شهر صامت لا يوجد فيه احتفالات أو وجبات.
يحكي أحمد رشوان، مسئول جمعية زهراء الرياض، أن رمضان الماضي كان رمضانًا حافلًا بوجبات الإفطار، فكانت تصل أعداد وجبات الجمعية اليومية إلى 50 وجبة تقريبًا، وتزيد أحيانًا، لكن هذا العام انقلب الوضع فجأة بسبب عدم وجود التبرعات، لأن المتبرعين يمرون بأزمات مالية لارتفاع سعر الدولار، وبالتالي لم تستطع الجمعية تقديم الوجبات للمحتاجين بعد 10 سنوات من حفاظها على استمرار هذا النشاط.
وخلال محاولاته في إحياء النشاط مرة أخرى، تواصل أحمد مؤخرًا مع مجموعة من المتبرعين الذين دعموا الجمعية منذ أول عام لإنشاءها، لكن كان ردهم أنهم اختاروا تجهيز "شنط رمضان" بأنفسهم وتوزيعها قبل رمضان، لأنهم أصبحوا غير قادرين على توزيع الوجبات اليومية، حيث أن تجهيز "الشنط" أقل تكلفة.
أوضح أحمد زيادة أعداد الحالات المسجّلة داخل الجمعية بعد جائحة كورونا، بسبب توقف عمل عمّال اليومية الذين يعملون في مجال البناء والإنشاء، حيث يمتهن عددًا كبيرًا من سكان دار السلام هذه المهنة، مما جعل أحمد يشعر بالمسئولية تجاههم، تحديدًا في شهر رمضان المعروف بضغط الاستهلاك.
"حاسس بإحباط ومش عارف أرد على الحالات اللي بتسألني عن الوجبات، هقول إيه؟" يقول أحمد لـ"صوت السلام" بصوت مختنق، معبرًا عن عدم شعوره بحلول شهر رمضان لأنه بالنسبة له كان ينحصر في الساعات القليلة قبل الإفطار التي كان يركز فيها على توزيع الوجبات، والتي كان يشعر بعدها بالسعادة، فهو نجح في مساعدة شخص ولو بوجبة واحدة.
يحاول أحمد البحث عن متبرعين جدد فهو يتمنى حتى توفير "شنط رمضان" تعويضًا عن الوجبات، حتى تستطيع الحالات استكمال شهر رمضان، فهو لا ينسى مشاهدته لأحد الحالات المسجلة في الجمعية وهو يبحث عن طعام داخل "الزبالة" بعدما توقف نشاط توزيع الوجبات، فيقول أحمد: “محبط حتى إني أنزل الجمعية، مش عارف أدعم الناس وأقدملهم الوجبة".
بعد 13 عامًا من عمل جمعية حصيلة الخير في توزيع وجبات الإفطار اليومية في دار السلام، توقفت تمامًا هذا العام، بالرغم من محاولات منى صابر، مديرة الجمعية، لتوفيرها وذلك بسبب قلة التبرعات، حيث أوضحت منى تراجع التبرعات منذ شهر ديسمبر الماضي تدريجيًا حتى أصبحت حاليًا 40% فقط من متوسط التبرعات التي كانت تصل للجمعية طوال سنوات عملها في المجتمع الخيري، مما تسبب في توقف نشاط الإفطار وعدة أنشطة أخرى من أهمها نشاط "تجهيز العرايس" التي تقول منى إنه توقف منذ 7 أشهر.
حاولت منى إطلاق منشورات دعائية على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل أكبر حتى تعود حركة التبرعات لما كانت عليه سابقًا، كما حاولت التواصل مع عدد أكبر من المتبرعين وتقديم حلولًا تخص تخفيض قيمة التبرع بدلاً من توقفه تمامًا، وبعد جميع هذه الجهود، نجحت منى في توفير وجبات الإفطار، يوم الخميس فقط من كل أسبوع، بعدما كان توزيع الوجبات روتينًا يوميًا في شهر رمضان الكريم.
تحكي مني عن إحساسها بما تمر به الجمعية بسبب الأزمة الاقتصادية، فتقول: "بكون مخنوقة جدًا وزعلانة لأني مش قادرة أوفر طلبات الحالات وأقدملهم وجبة الإفطار".