عام "السُكات"

تصوير: صورة تعبيرية

كتب/ت ندي حنيجل
2023-01-10 00:00:00
"الكل شارك في الجريمة.. الكل داس على الزناد.. الكل اختار السكات.. ودافن رأسه في التراب"..
هذه هي بعض كلمات أغنية "هدنة" لفريق كايروكي، التي كنت اعتبرها عندما طرحت عام 2017، مجرد كلمات أرددها ضمن الأغنية، ولكن تغير شيء ما بداخلي العام الماضي، فاختلفت مكانة هذا المقطع بالنسبة لي، وأصبح أكبر من كونه مجرد كلمات، ولا أستطع حاليًا محوه من ذاكرتي، خوفًا من أن يختار الجميع بالفعل "السكات".
بعد انتشار أخبار حوادث قتل وخطف الفتيات، خاصة في أواخر عام 2022، أصبحت أخشى الخروج من المنزل في وقت متأخر من اليوم، أو السير في شارع لا يوجد به أحد، خوفًا من تعرضي للخطف أو القتل على يد مجهول، ففي السابق، كنت أعتقد أن جميع المارة سيتدخلون ويحموني، إذا وقع لي أي مكروه، ولكن الآن، أخشى الناس أنفسهم، أخشى أن يؤذيني أحدهم، وأن يصورني الآخر خلال تعرضي للاعتداء، طمعًا في الشهرة، ويقف البقية يشاهدون ما يحدث، مفضلون "السكات" عن محاولة إنقاذي.
لا أجد مبررًا لمشهد الناس وهم يرون الضحية تقتل أمامهم، وكأنهم يشاهدون فيلمًا سينمائيًا، هل هذا هو الخوف، الصدمة، أم الاستمتاع بأنهم ليسوا هم الضحية؟.. الشيء الوحيد الذي أصبحت متأكدة منه هو شعوري بالخوف الذي لم يقتصر عليّ فقط، بل امتد ليشمل زملائي أيضًا.
لم يكن الخوف الذي يسكن قلبي حاليًا وليد اللحظة، بل بدأ ينمو بداخلي في نهاية عام 2021، بعد وقوع جريمة الإسماعيلية، التي ذبح فيها القاتل ضحيته، وفصل رأسه عن جسده أمام الجميع، في أحد أكبر الشوارع الرئيسية بالمدينة، ولم يتحرك أحد لمنعه، بل لم يلاحقه سوى عدد قليل من الناس، بعدما قطع رأس ضحيته بالفعل، فلماذا انتظروا كل ذلك الوقت للتحرك؟
كبر الخوف واستقر في نفسي بعد حادث مقتل نيرة أشرف أمام جامعتها، التي كان يقف أمامها عشرات الأشخاص، ولم يردع أحد منهم قاتلها محمد عادل، بل وقفوا يصورون المشهد في صمت، خائفين من أن يلحقهم الأذى، ولم يصل واحدًا إلى نيرة، إلا بعدما فارقت الحياة.
كما صمت جمهور مقتل نيرة، صمت العديدين بعد ذلك، عندما شاهدوا أب يخنق ابنته بالدقهلية، وعندما قتل شاب آخر بالساطور، بسبب مشاجرة وقعت بينهما أمام المارة، مكتفيين فقط بنقله وهو جثة هامدة إلى المستشفى، وكأنهم انتظروا وقوع وفاته حتى يتدخلوا للإنقاذ.
صمت الناس أيضًا عندما تحرش رجلًا بإحدى الفتيات أمام كليتها، وعندما لاحقته وواجهته بالجريمة، لم ينكر ذلك، وقال لها الأمن: "حصل خير"، ونتيجة لذلك كله، تكرر مشهد مقتل نيرة أشرف مرة أخرى، وقتلت المزيد من الفتيات، على مرأى ومسمع من الجميع، ولم ينقذهن أحد، وسؤالي الآن هو، أليس الصمت مشاركة في الجريمة؟
لا أستطع تحديد سبب صمت الناس من التدخل للإنقاذ، خلال مشاهدتهم لوقوع الجرائم البشعة أمامهم، ولكنني صرت متأكدة من شيء واحد، وهو أنهم إذا كانوا صامتين بسبب خوفهم، فأصبحت أنا أيضًا خائفة مثلهم.