"أحمر حلاوة يا بطيخ".. صيحات تعلو في الشوارع والأسواق خلال الإجازة الصيفية.
ارتبط اللون الأحمر والحلاوة بفاكهة الصيف "البطيخ" التي اعتادت الأسرة المصرية على أكلها بكثرة في هذا الفصل للتخفيف من آثار الطقس الحار، فلا يخلو بيتًا منها كوجبة جانبية أو أساسية مع الجِبن.
ومثلما ارتفعت درجات الحرارة؛ قفزت أسعار البطيخ ما أعجز أسر عن شرائه لترطيب أجواء الصيف.
وخلت الشوارع من المشهد الشهير للموظف العائد إلى منزله حاملًا بين ذراعيّه بطيخة بعد انتهاء عمله.
ورصدت "قلم المنصورة" المشهد في الأسواق بعد غلاء أسعار البطيخ؛ نتيجة لانخفاض كمياته، وبين 7 بائعين لم نجد سوى اثنين فقط يبيعان البطيخ.
وارتفع سعر البطيخ مؤخرًا ليصل إلى الكيلو إلى عشرة جنيهات، وهو ما يعني أن سعر البطيخة الواحدة يتراوح بين 90 إلى 100 جنيه، بزيادة الضعف في السعر بين صيف 2022 و2023، حسبما أوضح التجار الذين كانوا أول المتضررين من ارتفاع السعر بسبب انخفاض ربحهم.
ربيع محمد، 26 سنة، بائع فاكهة، يقول إن أسعار البطيخ هذا الموسم مرتفعة عن الأعوام السابقة فسعر الجملة وصل إلى 90 جنيه دون انتقالاته، والسعر للمستهلك عشرة جنيهات للكيلو، والبطيخة تزن 9 إلى 11 كيلو.
ويوضح: “هذا التوقيت من الموسم أعمل في بطيخ العمرية وإن كان غالي الثمن؛ لأن المحلات المعروفة تبحث عن أفضل الأنواع، وذلك في ظل انتشارالأنواع المرشوشة بكيماويات أو المروية بمياه الصرف الصحي والمباعة بأسعار منخفضة للمستهلك".
يتذكر ربيع إقبال المستهلكين على فاكهته في فترات سابقة ويقول: “يوم الجمعة يوم الرزق، لا تجد موضع قدم داخل المحل، كنت أبيع نحو عربتين بطيخ في اليوم".. بيأس يشاهد محله الخالي من الزبائن ويقول:”اليوم جمعة وحتى المغرب لم يدخل جيبي جنيهًا واحدًا".
ومحل ربيع ليس الوحيد فكل المحلات المجاورة له خاوية، ولا يوجد سوى البائعين أمام محلاتهم يراقبون الطريق والمارة وينتظرون الرزق.
في جولتنا وقع نظرنا على محل بائع البطيخ الأقدم في طلخا، فهنا يعمل عم محمد دنيبه المعروف بأن فرشته لا تخلو أبدًا من الزبائن، وجدناه شاردًا الذهن أمامها، ويفكر في مصير البطيخ "المركون" وخسارته التي وصلت إلى 6 آلاف جنيه، إذ كان يبيع في الأيام العادية ما بين 80 إلى 90 بطيخة، والآن حده الأقصى عشر بطيخات في اليوم.
ودنيبه هو بائع بطيخ، ستيني، كان يبيع البطيخة بسعر الجملة العام الماضي مقابل 25 جنيه، الآن السعر وصل إلى 70 جنيه، متخطيًا أكثر من ضعف ثمنها عليه كتاجر، يسأل في دهشة: “هذا عني فماذا عن المواطن الشقيان؟"، مضيفًا: “الزبون حاله على القد، لا يتحمل شراء بطيخة واحدة سعرها بين 80 و90 جنيه لأبنائه؛ لأن هناك ما هو أهم".
يروي في حزن قصة سيدة آتته لشراء بطيخة، وفوجئت بسعرها وهو 70 جنيه، فأخبرته أنها لا تملك سوى 50 جنيه، يقول: “أعطيتها البطيخة لأن الحال صعب على الجميع، والأسر البسيطة لا بدائل عندها، وفي كل الأحوال البطيخة تفسد إن لم تباع".
وتحدث عن البطيخ "المضروب"، وقال إنه ملأ الأسواق في بداية الموسم بسعر 40 و50 جنيه، وهو مرشوش بمواد كيماوية ومروي بمياه صرف، وطعمه حامض من الداخل و"مخوخ" وهو نوع "ألبشا" و"زيان".
ربيع ودنيبه تحايلا على الوضع وقررا الاستمرار في بيع البطيخ رغم قلة حركة الشراء، فيما فضل آخرون الامتناع عن بيع البطيخ وبيع أنواع فاكهة أخرى.
هشام فايد، 38 عامًا، بائع فاكهة، يقول: "سعر البطيخ بالجملة ارتفع إلى الضعف بالنظر إلى العام الماضي الذي حققنا فيه مكسب 80 % والآن انخفض المكسب، لذا فبيع البطيخ خسارة علينا كتجار"، يتحدث ويشير بأصابعه على فرشته التي وضع عليها العنب والبرقوف والمانجو، مضيفًا: “الناس تحاول توفير نقودها للأساسيات".
وتحدثنا مع موظفين عن تغييرات عاداتهم في الصيف والامتناع عن شراء البطيخ، يقول الموظف الخمسيني، فاروق محمد، إن شراء البطيخ يمثل عادة يومية لأسرته أثناء عودته من العمل لقدرتها على ترطيب الطقس الحار.
يشرد ذهن فاروق، يجول بعينيه، ثم ينطلق في الحديث: “سعر البطيخة لم يتعد قديمًا 30 جنيه، لكن الآن ليس من الطبيعي أن اشتري بطيخة سعرها 100 جنيه، وأنا لديّ أولويات أخرى".
يضيف: “عدى الصيف ولم أدخل على أبنائي سوى ببطيختين، ومنهم واحدة كانت جودتها لا تتناسب مع سعرها أبدًا، وهم كل عام يطلبون البطيخ، ومن الصعب أن يكون نفسهم في حاجة ومقدرش اشتريها، لذا ممكن أوعيهم بالاستغناء مادام اللي في الجيب يدوب يكفي نعيش".