عيد_أوردِيحِي | تحتل اللحوم الصدارة في قائمة طعام موائد الأسر في عيد الأضحى المبارك، صحن كبير مملوء بالأرز وبضعة قطع من الخُبز المحمص، وبينهم مكعبات لحم الضأن أو البقري، ويفوح من الصحن رائحة شوربة الثوم، لكن هذا العام ستخلو الموائد من الوجبة الرئيسية "الفتة".. في أكثر من تقرير من أسوان إلى بورسعيد في مصر، ومدينة بني خلاد في تونس، تابعنا عبر هذا الملف تأثير ارتفاع أسعار اللحوم البلدي على المستهلكين وعلى الجزارين الذين انخفضت مبيعاتهم في "عيد اللحمة".
يبدو استقبال عيد الأضحى مختلف بين أهالي المنصورة هذا العام، إذ أن ارتفاع الأسعار يلقى بظلاله عليهم، خصوصًا في قطاعي اللحوم والملابس؛ التي عادة ما تكون الأبرز على قائمة احتياجات الأسرة قبل بداية العيد.
يقول علي عصام، موظف، ويعول طفلين، إنه اشترى 2 كيلو لحمة فقط، "على غير عادته" وفقًا لوصفه، حتى يوفّر لشراء ملابس لأطفاله، ويكون بذلك قد أرضى الجميع.
كان عصام يعتاد على شراء أطعمة أخرى إلى جانب "اللحمة" لأسرته، فكانت مائدة العيد -كغيره من الأسر – دومًا مميزة عن باقي أيام العام، من حيث تنوع مكوناتها.
يعلق عصام: “نعتاد على ارتفاع الأسعار قرب المواسم، لكن هذا العام مختلف، فرغم اقتصادي في شراء احتياجات العيد، لا يتبقى لي من ميزانية الشهر سوى 500 جنيه فقط لتدبير احتياجات المعيشة".
ولا يواجه هذا الوضع عصام فقط، فمع ارتفاع أسعار اللحوم في الشهور الأخيرة للضعف أو ما يزيد تقريبًا، باتت الأسر تلجأ إما إلى تقليل الكمية أو الاستغناء عن مكونات معينة كانت تشتريها في العيد، فضلًا عن التخلّي عن العزائم التي يتحملها شخص واحد، بل بدأت تنتشر الاقتراحات حول "التشاركية في العزومة”.
نفس الأمر بالنسبة للملابس التي وفقًا لاستطلاع "قلم المنصورة" سألت فيه عدد من الأسر، لم يختلف اتجاههم كثيرًا عن موقفهم من "اللحوم".
في السوق، باتت أسعار كيلو اللحم لا تقل عن 300 جنيه، يقول محمد متولي، صاحب محل جزارة، إن البتلو تتراوح ما بين 320 إلى 380 جنيه، والكندوز من 290 إلى 350 جنيه، واللحم الضأن من 310 إلى 380 جنيه، وأن الإقبال الأكثر على الضأن والبتلو حتى في أيام العيد.
يشير متولي إلى أن الأسعار حاليًا "ثابتة"،وأنها ترتفع كلما اقترب يوم العيد.
لاحظ متولي وغيره من أصحاب محال الجزارة ضعف الإقبال هذا العام مقارنة بالأعوام الماضية، وفي الوقت نفسه، قيام البعض شراء أكثر من كيلو تحسبًا لزيادة الأسعار في الأيام القادمة.
يعكس الحديث مع الباعة تذبذب السوق، وعدم وجود معيار ثابت لا للأسعار ولا لمعدلات الشراء، لكن الأكثر وضوحًا هو تأثر الكثير من الأسر ذات الدخول الشهرية المتوسطة والمنخفضة بقفزات الأسعار التي لم تقابلها زيادة في الدخول.
وجاء تعليق سعيد عبدالله، صاحب محل ملابس، عن الإقبال متشابه تقريبًا مع متولي، ما بين "ضعف الإقبال"، و"الشراء خوفًا من الزيادة”.
ويقدم سعيد خصومات وعروض للمواطنين لتشجيعهم على الشراء، لأن قلة المبيعات تؤثر عليه وعلى العاملين معه، هكذا يقول.
واعتاد علي، شراء لعب الأطفال والبلالين والزينة لطفليّه وإعطائهما العيدية، لكنه يعرف أن مرتبه لن يكفي، يقول: “أحاول تدبير الأمر من أجل فرحتهم، لكن الأسعار ارتفعت بدرجة كبيرة عن السنوات الماضية، سواء في اللحوم أو الملابس أو حتى الخضراوات والطعام، وهو ما قلل من عادات مثل عمل العزائم، وتنظيم حفل شواء، والمشاركة في الأُضحية".
واشترت سميحة عزت، مُدرسة، وتعول ثلاثة أطفال، كيلو لحمة وستشتري كيلو ثاني خلال أيام، كما اشترت طقمين من الملابس لأطفالها في العيد الماضي فقط، لأن الأسعار هذا العيد مرتفعة بشكل كبير، وميزانية المنزل لا تسمح بالشراء، هكذا توضح.
وقللت سميحة من شرائها للحوم، إذ كانت تشتري 4 كيلو لحمة والآن تشتري 2 كيلو فقط بسبب معاناتها مع المصاريف، تضيف: “تعودت تنظيم العزائم لأسرتنا، ولكن الآن لا أعلم هل استطيع فعل ذلك أم لا.. لكنني سأحاول إسعاد أطفالي وسأطبخ لهم أول يوم العيد أرز معمر وفتة لحمة، واشتري شوكولاتة وبالونات".
ارتفاع الأسعار أيضًا قضى خطط الشباب للخروج في العيد، يقول علي محمود، 19 عامًا، إن أسرته اعتادت ذبح الماشية كل عام، لكنهم لن يفعلوا ذلك هذا العيد لارتفاع أسعار الماشية بشكل كبير.
هذا كله يجعل من العيد عند علي مختلفًا هذا العام، ففي حين كان يقضي أول يومين مع الأهل في ذبح الأُضحية وتوزيع اللحوم ثم السفر مع أصدقائه لأية مدينة ساحلية، فإنه هذا العام سيكتفي بالصلاة مع الأهل وزيارة الأقارب ولقاء أصدقائه على المقهى، مضيفًا بحسرة: “من الصعب كسر عادتنا لكن الموضوع ليس بأيدينا".
ولن تسافر حبيبة مصطفى، 20 عامًا، مع أسرتها إلى قرية من قرى الساحل الشمالي، تقول: “الأسعار المبالغ فيها هناك تمنعنا من السفر، غيرنا الوجهة هذا العام إلى مدينة دمياط الجديدة فأسعارها معقولة ومناسبة لميزانية الأسرة، وكسر عادة السفر أمر حزين، لكن في النهاية السفر رفاهية، وهناك من ليس لديه مال للأكل بالأساس بسبب الظروف الاقتصادية”.
ويآمل رمضان محمود، 19 عامًا، أن ينال حصيلة جيدة من العيديات تعوض زيادة الأسعار، لكي ينفقها في تناول الطعام مع أصدقائه في المطاعم الجديدة ولعب “البلايستيشن” والجلوس على المقاهي، كما سيزور رمضان الأقارب بعد صلاة العيد.
وقرر أحمد شوقي، 25 عامًا، اقتصار الفُسحة في العيد على خروجة واحدة مع الأصدقاء وزيارة للأقارب فقط، دون السفر أو الأكل في المطاعم الجديدة بسبب غلاء الأسعار.
ويحرص نور محمود، 30 عامًا، على فرحة أبنائه بالعيد، يقول: “التوفير في 4 أيام لن يفرق كثيرًا معنا، الغلاء سيظل موجود وسيزيد بعد العيد أكثر، ولكن لا أريد أن يشعر أولادي بفرق في العيد، سنسافر إلى المصيف ونأكل نفس الطعام من فسيخ ورنجة وحلوى”.