في سن الخامسة، وكطفل لا يعرف حدودًا للاستكشاف واللهو، ناداني والدي، حين كنت ألهو بمدخل منزلنا، الذي نسكن الطابق الرابع به، فهرولت إليه صعودًا. طلب مني أن أجلب له بعض متعلقاته من شقة لنا في الدور الأرضي بنفس المنزل.
وبالطبع، كان مزج اللهو بتنفيذ طلب والدي أمرًا اعتياديًا، فقررت أن أمتطي "درابزين" المنزل، وأن انزلق عليه نزولًا للطابق الأرضي، إلا أنني فقدت اتزاني، من الطابق الرابع، لتفاجئ أسرتي بدوي ارتطام بمدخل المنزل، مغشيًا عليّ.
لا أذكر شيئًا مما مررت به خلال أسبوعين كاملين، إلا أن والدي أكد لي، أنه وبقية عائلتي، هرولوا بي إلى أقرب مستشفى، لأودع قسم العناية المركزة كحالة حرجة، ولمدة 14 يومًا لم أغادر تلك الغرفة، حتى استقرت حالتي بعض الشيء، بعدها قرر الطبيب خروجي من المستشفى.
لم أكن في كامل وعيي، أثناء رحلتي من المشفى إلى المنزل، لكن عقلي امتلأ بأفكار حماسية ومبهجة، انتهت رحلة العلاج، وسأعود مرة أخرى للهو، لكن جسدي لا يزال يؤكد لي أنني لست بخير، لم أتعافى تمامًا، إذ كنت أُقنع نفسي بأن قرار الطبيب بخروجي من المستشفى يعني أني "خفّيت".
مع وصولنا للمنزل، تأكدت أن كل أحلامي في اللهو واستقرار حالتي تبخّرت، فأنا لا أستطيع التنفس بصورة طبيعية، واضطر الطبيب لوضع أنبوب نحاسي طويل داخل القصبة الهوائية، حتى أتمكّن من التنفس، فجهازي التنفسي فشل في تصدير الأكسجين إلى المخ، ليصبح "الشق الحنجري"، الذي صنعه الطبيب في رقبتي، مصاحبًا لي في رحلة طويلة، كنت أشك أن تنتهي نهاية جيدة وطبيعية.
في اليوم التالي، ومع عودة الوعي إليّ مرة أخرى، اكتشفت أنني لا أستطيع التحرك، وعلمت أنني أُصبت بشلل مؤقت، في الجانب الأيمن من جسدي، فلا أُحرّك قدم ولا يد، ولا أرى حتى بعيني اليمنى، لتبدأ رحلة العلاج الطبيعي التي استغرقت عام.
عامٌ كامل وأنا بنصف جسد، ذهابًا وإيابًا فقط من جلسات العلاج الطبيعي، إلى أن نجحت في السير بشكل جيد، كما عادت الرؤية لعيني اليمنى، لأعود مرة أخرى إلى المستشفى، إذ بدأ الطبيب في اختبار قدرتي على التنفس، قبل أن يقرر خوض عملية جراحية أخرى لنزع الشق الحنجري وأنبوبه النحاسي.
عامٌ كامل، كنت أنتظر فيه كلمة "خفّيت"، عامٌ كامل مُنعت فيه عن اللهو واللعب ومصاحبة أبناء سني في الإجازات. عامٌ كامل بين السرير والمستشفى والعلاج الطبيعي، وافترضت أن فترة "المنع من اللهو" انتهت بنزع الشق الحنجري، ليفاجئني جهازي التنفسي بنوبات "ضيق التنفس" فور الخروج من المستشفى.
استبدلت جلسات العلاج الطبيعي والجراحات في المستشفى بجلسات الاستنشاق، لمساعدة الرئتين على التنفس بشكل منتظم، وصدرت التعليمات الطبية بأنني لن أتمكن من اللعب أو اللهو، بالتحديد القيام بأي نشاط يشمل الركض بما يُحمّل جهازي التنفسي ما لا يُحمد عقباه.
ربما كانت تلك الفترة هي الأسوأ والأصعب على نفسيتي، كطفل يرى زملائه يلهون، بينما مُنع من مشاركتهم، الجميع يركضون ويمزحون وتتعالى ضحكاتهم، فيما تتعالى أنفاسي لمجرد التفكير في الركض خلفهم، خاصة في فصل الشتاء.
واستمر "حظر اللهو" إلى أن وصلت للصف الثالث الإعدادي، إذ بدأتُ ممارسة رياضة السباحة كتدريب لتنظيم التنفس، ليصطحبني والدي ووالدتي إلى حمام السباحة.
الأمر في البداية كان مُقلقًا، وربما غلبتني حماسة اللهو مرة أخرى على خوفي من نوبات ضيق التنفس، لكن اليوم الأول مر دون مشكلات، لأستكمل رحلة السباحة، ومع كل يوم تدريبي، بدأ الجميع يلاحظ انخفاض نوبات ضيق التنفس التي أتعرض لها، حتى توقفت تمامًا.
لم يكن الجميع يتوقع ذلك، أنقذتني رياضة السباحة من مشكلتي الطبية وضعف جهازي التنفسي لسنوات، ومع تحسن حالتي بدأت أبحث عن عالم السباحة وعلاقته بالجهاز التنفسي، فاكتشفت أن السباحة تقي من التهابات الشعب الهوائية، وتساعد على تنظيم التنفس بتوسيع سعة الرئتين، ما يمنع حالات ضيق التنفس المُصاحبة لضعف الرئة.
وحتى الاستشفاء من إصابتي العضلية والعصبية؛ ساعدتني السباحة على تقوية عضلات جسدي، لتصبح رياضة السباحة بذلك الروشتة المثالية في علاجي، وتذكرتي من الشلل إلى الجسد الرياضي.