"أنا وأنت ظلمنا المزيكا"

تصميم باسم حنيجل

كتب/ت محمود عبد الحميد
2024-10-28 09:45:48

"أنا وأنت ظلمنا الحب بإيدينا- وجينا عليه وجرحناه- لحد ما داب حوالينا". أيمكن أن تفعل شيئًا لم تكن تفعله في الماضي؟ حين كنت ترفض وجهة نظر ما، والآن تتبناها، بل وترى أنها الوحيدة الصحيحة، أو تستمع لموسيقى معينة، والآن ترفض سماعها؟

أنا شاب من مواليد الألفية الجديدة، في بداية وعيي ألفت موسيقى "المهرجانات"، ولم أكن أحب أن أستمع إلى الأغاني القديمة، أصم آذاني عنها، أكرهها، وأحب الأغاني الشعبية، وأحفظ كلماتها بسهولة، لكن لا أفهم معظمها.

لكن بعد فترة، بدأت الاستماع لبعض الأغاني التي تحمل معاني مفيدة ومفهومة، وكانت بالبداية بفرقة "كايروكي"، التي كانت بمثابة بوابتي إلى عالم الموسيقى القديمة.

كلماتهم وألحانهم المفهومة الهادئة، فتحت لي أبواب الدخول لعالم الاسترخاء والهدوء، والآن أجلس بالساعات أمام التلفاز استمع إلى إحدى حفلات أم كلثوم، وهي تغني أغنيتي المفضلة "أنا وأنت ظلمنا الحب" لأول مرة.

وهنا كانت البداية، قررت أن أفتح بابًا لدخول أم كلثوم، بعد أن أحكمت إغلاقه منذ سنوات، بدأت أيضًا في الاستماع لأغاني فيروز وميادة الحناوي وعايدة الأيوبي.

بعد سنوات أوصدت فيها أذني، وقاتلت كل احتمالات وصولهم إلى قلبي، أكتب هذه السطور وأنا أستمع إلى أغنياتهم ، أصبحت هائمًا بالموسيقى القديمة، أشعر بالسعادة حين تستضيفني في عالم ساحر من الكلمات والمعاني.

وأصبح التحدي الوحيد، هو مجتمع المهرجانات الذي أواجهه وحدي، فأصدقائي يستمعون إلى المهرجانات وصخبها، بينما أستقر وحدي في رحاب الأغاني القديمة، يتضايقون عندما يتصل هاتفي بـ"بلوتوث" السيارة، وتصدح مقدمة واحدة من أغاني الـ"أبيض والأسود" عبر القائمة التي اختارتها بعناية، رغبت في اختفاء أغاني المهرجانات، كي يسمع الجميع ما أسمعه.

الأمر لم يكن سهلًا، وذوقي الموسيقي أثر على حياتي الاجتماعية،  ففي أفراح أقاربي وأصدقائي لا أريد سماع هذه الموسيقى، وهذا الأمر يؤثر على علاقاتي، ما دفعني للانعزال عن مجتمع "الأفراح وموسيقاها".

 وبقيت لدي مشكلة تشغلني كثيرًا، حين أفكر في الأطفال الصغار بالأحياء الشعبية، الذين أفسدت "المهرجانات" ذوقهم الموسيقى، بكلمات يرددونها دون فهم معانيها، وكذلك ما يصاحبها من رقصات "التعقيب".

وبعدما كنت أفضل المهرجانات في بداية الأمر، صرت أتمنى منع المهرجانات، وتحول رأيي لكونها تفسد أجيال، ورغم أنني أعلم جيدًا أن لكل جيل نمط موسيقاه  الخاصة، إلا أنني لم أستطع التأقلم مع مجتمع المهرجانات وموسيقاه، وأفضل الانعزال.