وُلدت في منزل متنوع في ذوقه الموسيقي، فوالداي يسمعان ما نشأوا عليه من أغانٍ لأم كلثوم وشادية ووردة وعبد الحليم، وبالتأكيد في فترة متقدمة من شبابهما استمعا لعمرو دياب ومحمد منير ومحمد فؤاد وغيرهم، أما أخي الأكبر فكان متأثرا بموجة أغاني الفرق الشبابية التي تزايدت بعد ثورة يناير مثل كايروكي ومسار إجباري وغيرهما، أما أخي الذي يكبرني بثلاث سنوات يسمع نوعا مختلفا من "المزيكا" لم أحبه ولم أكرهه وهو "الراب"، على عكس والدتي التي كرهته واشتكت من "الرتم" السريع والكلمات "السوقية" المستخدمة في أغانيه على حد تعبيرها، وهذا لم يكن رأيها فقط بل ورأي الكثير ممن أعرفهم في نفس عمرها.
كنت اتساءل: لماذا يرفض الجيل القديم تحديدًا الراب بينما ينتشر بشكل كبير في المراحل العمرية الأقل؟
يحضر حفلات الراب الآلاف، وأغانيهم تحقق ملايين المشاهدات، ولا يصدر “تراك” جديد لهم إلا ويتصدر "تريندات" مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، التي تبرز أن أكثر متابعيهم من الأطفال والشباب.
"الراب" و"التراب" ليست ألوان موسيقية جديدة في الوطن العربي، بل ظهرت منذ التسعينات، ومن أوائل "الرابرز" العرب كان قصي السعودي، وجارم الخال الإماراتي، من وقتها وحتى وقتنا هذا، بدأ يتسع قاعدة مستمعي الراب العربي، وفي مصر، اتسعت هذه القاعدة كثيرًا بين الشباب.
من أشهر الرابرز المصريين الآن، مروان بابلو، الإسكندراني صاحب الـ 26 عاما، أول أغنية نشرها على قناته الخاصة على "اليوتيوب" منذ 4 سنوات، شاهدها حوالي 1.4 مليون شخص، لكن إذا تابعت أرقام الصفحة الآن، ستجد أن آخر تراك نشره، بإسم "الحلال" حصد 3.8 مليون مشاهدة، خلال 4 أشهر فقط، أي الضعف تقريبًا في فترة قصيرة جدًا وهذا يشير إلى الإقبال على مشاهدة الأغان الجديدة التي ينشرها مروان وما يمثله من فن "الراب".
أبرز أغان أو "تراكات" مروان، هي "الجميزة" التي وصلت على اليوتيوب مشاهدتها إلى 8 مليون تقريبًا، و”الغابة" التي وصلت إلى 25 مليون مشاهدة. كما لمع "أبيوسف" صاحب الـ 37 عاما بعدة "تراكات" من ضمنها "300 مرة، واحد واحد، وعزرائيل، وباشا اعتمد"، ثم انفجر ولمع "ويجز" بعدة "تراكات" ولكن الذي لاقى صدى واسعا في الشارع العربي والمصري كان تراك "دورك جاي" المصنف في نوع التراب الشعبي.، وحققت "البخت" مثلًا له 154 مشاهدة حتى الآن، بينما وصل مروان موسى وعفروتو بأغنيتهما "برازيل" 8.5 مليون مشاهدة، وتم استخدامها في إحدى الحملات الإعلانية لإحدى شركات خطوط الموبايل في مصر.
إذا تمعنت في كلمات الأغاني أو التراكات وهو المصطلح الأكثر شيوعًا في مصر، قد تلحظ سبب هذا الانتشار الكبير الذي تلاقيه بين جيلنا، تطرح قضايا وموضوعات قريبة منا، قد تسمعها بين قعدة صحاب على القهوة أو في أي مكان، موضوعات مختلفة من حزن وفرح للقسوة والشدة، إذا أردت "هلس" ستسمع إلى "باظت” أو "كيفي كده" لويجز، وإذا خرجت من علاقه عاطفية ومازلت تحب الطرف التاني فتستمع إلى "300 مرة" لأبيوسف، أو "ألومك" لمروان موسى، أو "نص الليل" لـ"ريزو" وهو رابر شاب من المنصورة، وإذا كنت من محبي ممارسة الرياضة والجيم فستستمع لـ"شياطين وخمسة" لفليكس، وبالإضافة إلى ذلك تستطيع أن تلمح علاقات صداقة تربط بين الجمهور ومغنو الراب؛ بسطاء استطاعوا النجاح بموارد بسيطة مثلنا، ينافسون أسواق فنية ضخمة بل ويتفوقوا عليها.
فعلى منصة الموسيقى spotify في عام 2021 ، كان المتصدرين لكل الفئات رابرز، ف "ويجز" الأعلى بين كل الفئات الغنائية، و "غابة" لبابلو الأعلى استماعًا، و"فلوريدا" لمروان موسى تصدر الألبومات.
ستجد في الراب أحيانًا لغة تمرد ونقد للمشكلات التي نلاقيها، في فلسطين المحتلة مثلًا ستجد الرابرز هناك يتحدثوا عن قضيتهم بلغة عزة ومقاومة وجرأة، مثل "ضبور" و"شب جديد" في اغنيتهما "إن أن"، التي تتحدث عن أصدقائهما في السجون، وأن بإمكانهم تحرير القدس و"الطلوع من تحت الأرض مثل الجن".
مؤخرًا، ومع الاختلاف بين نقابة المهن الموسيقية ومغني الراب في مصر، تظهر ملامح اختلاف الأجيال، وكأن للفن وجهة نظر واحدة. أجلس مع أصحابي من مستمعي الراب، وأتحدث معهم، فأخرج بنتيجة واحدة؛ لن يستطيع أحد أن يوقف هذا الفن، حتى وإن اعترضوا عليه أو لم يروا أنه فن من الأساس، فالراب في الأساس متمرد وجريء مثل جيلي لن تقيده أي قيود أو أي شيء.