مع الضغوط الاقتصادية التي توالت على الأسر المصرية منذ نهاية 2022، وما صاحبها من ارتفاعات مستمرة في أسعار كافة السلع والخدمات، تبدو المصايف أحد اللحظات المهمة، ليس فقط هربًا من شمس الصيف الحارقة، بل أملًا في أن تغسل مياه البحر همومهم وتخفف من ثقلها المستمر والمتزايد.
وفي بورسعيد، يحمي القانون حق المصطافين في التمتع بالشاطئ العام الذي يمتد إلى ستة كيلومترات ويطل على خمسة أحياء في المدينة هي: "الشرق، العرب، المناخ، الزهور، والغرب"، ويتصل بشاطئ بورفؤاد شرقًا، مما جعله أحد وجهات المصيفين سواء من سكان المحافظة أو من خارجها.
ورغم أن الاستعداد المادي للمصيف أمر ليس غريبًا على أي أسرة، خصوصًا من متوسطي ومحدودي الدخل، إلا أن "بورسعيد" كانت أحد الوجهات التي يستطيع رب الأسرة بالتعاون مع أفرادها في النهاية تدبير ميزانية التمتع بشاطئها؛ لكن يبدو الوضع اختلف قليلًا هذا العام.
محمد السيد، 52 عامًا، أحد البورسعيدية، الذين يحملنا في ذاكرتهم قصص كثيرة عن الشاطئ، لكنه لم يذهب هذا العام إلى المصيف ولا يفتقد سوى الحكايات و"لمة" الأسرة.
ويشعر السيد وهو يمر بسيارته كسائق تاكسي يوميًا بجوار كورنيش الشاطئ أن المكان تغيرت ملامحه.
يتذكر ذهابه إلى البحر في الصغر مع أسرته بالقرب من حي المناخ، مضيفًا: "الزمن اختلف وكان الناس يحرصون على نظافة الشاطئ ودورات مياه، يحملون مقاعدهم والشماسي الخشبية ولم نكن نعرف ما يسمى بالتأجير مثل الآن".
تغير الوضع الآن كما يقول السيد، الذي يشكو من انتشار الكلاب الضالة على رمال الشاطئ بما يهدد سلامة المصطافين وتعكير صفو استمتاعهم ب"النزهة" التي تخفف عنهم ضغوط الحياة، كما يشكو ظاهرة ترك بعض المصطافين لفضلات طعامهم، دون وجود قواعد حاكمة في الشاطئ تغرّم هذه السلوكيات أو حتى توعي ضدها.
وبات ارتفاع ثمن تأجير الشماسي والمقاعد سببًا أيضًا دفع السيد لاتخاذ قرار عدم الذهاب إلى الشاطئ هذا العام الذي تتكدس فيه المطالب الاقتصادية بشكل يفوق قدرته المادية، يقول: “نواجه استغلال من مؤجري الشماسي، كيف لي بإنفاق إيراد التاكسي كاملًا فقط لاستئجار خمسة كراسي وشمسية للأولاد".
ويتراوح سعر تأجير الكرسي للفرد من 30 إلى 50 جنيه، والشمسية 70 جنيه، والخيمة 150 جنيه، حسبما رصدنا.
لذا، يحتاج السيد ما بين 200 إلى 250 فقط للجلوس على الشاطئ "صف أول"، أما إذا أراد أن يصطحب "الشمسية والكراسي" بنفسه وعدم الاحتياج إلى التأجير سيكون عليه مواجهة مؤجري الشماسي على الشاطئ، الذين يسيطروا على المساحة الأكبر منه.
يعلق السيد وغيره من المصطافين أن المواجهة هنا ليست متكافئة، فرغم أنه ليس من القانوني أن يقوم مؤجري الشماسي بالسيطرة على الشاطئ خصوصًا الصفوف الأولى، إلا أنهم على أرض الواقع يقوموا بذلك، وترضخ الأسر أغلب الوقت لإستئجار الشماسي حتى لا يعرضوا نفسهم للمشاكل، أو فرش جلستهم في الصفوف الخلفية.
ورصد محرر "البورسعيدية" على مدار ثلاثة أيام تدهور أوضاع الشاطئ؛ من تواجد للكلاب الضالة، وأصحاب الخيول لتأجيرها، وانتشار القمامة، وغياب المنقذين عن أبراج المراقبة رغم تعليق الرايات الحمراء، وهو ما انعكس في غالبية أحاديث المصطافين الذين أشاروا إلى ارتفاع عدد حالات الغرق على شاطئ المدينة مقارنة بسنوات سابقة.
ويتعارض هذا مع إعلان المحافظة العام الماضي تعيين 60 منقذًا من المدربين الحاصلين على دورات في الإنقاذ والغوض وتوفير المعدات اللازمة لضمان حماية المصطافين من الغرق، إلا أنها أيضًا قد سجلت المحافظة ست حالات غرق مع بداية فصل الصيف الجاري، وهو ارتفاع بنسبة 100 %، مقارنة بثلاثة غرقى العام الماضي.
أما سماح أحمد، ربة منزل من مركز المطرية، 30 عامًا، وأسرتها، فلم تستطع أن تمتنع مثل السيد عن المجيء للبحر هذا العام، خصوصًا بسبب طفلتيها اللتان يعشقان الذهاب إليه.
ودفعت سماح وأسرتها ثمنًا باهظًا للجلوس فقط أمام الشاطئ مباشرة، تقول: “السعر
يختلف حسب صف الكراسي، وحين نصل للبحر يتردد علينا أصحاب تأجير الشماسي ونحاول
الفصال معهم في سعر الكرسي لأن عددنا كبير، وإذا رفضوا نبحث عن مكان ثاني، وحين نسأل عن سبب ارتفاع الأسعار يقال لنا أسعار سياحية".
ولخفض التكلفة، تصطحب الأسرة إلى الشاطئ معها كل ما يحتاجونه من طعام والمياه المثلجة والمشروبات الساخنة.
ونفس الأمر لأحمد كرم، 45 عامًا، الذي هرب من الطقس الحار رفقة أسرته إلى الشاطئ، لكنه اندهش من ارتفاع الأسعار، يقول: “درجات الحرارة مرتفعة جدًا ولا نستطيع تحمل الجلوس في المنزل، لكن على الأقل لا نريد دفع دم قلبنا من أجل الاستمتاع بالبحر".
ويضيف كرم: “احنا ناس غلابة منقدرش على مصاريف المصيف، عايزين نستجم ونتبسط من غير تكاليف، أنا من مدينة المنزلة، وشقيقي يقيم في بورسعيد، ونذهب سويًا للبحر بعد صلاة الفجر".
واعتادت زينب الوكيل، ربة منزل، 58 عامًا، الاستمتاع بالجلوس على الشاطئ بصحبة أحفادها الذين يلعبون بالطائرات الورقية، لكنها الآن تشعر بالغضب لانعدام الخدمات ومنها دورات المياه، كما ملأ قلبها الخوف منذ هجوم كلب ضال على حفيدها، وتضيف: “هذه شكوى متكررة ولا حياة لمن تنادي".
ويقول إيهاب شطا، مدير إدارة شاطئ بورسعيد، ردًا على شكاوى المصطافين: "قبل بداية الصيف كان لدينا خطة جرى تنفيذها، لإسعاد المواطنين، وتقديم كافة الخدمات المجانية كما جرى العمل على منع تواجد الدراجات البخارية والحيوانات والخيول من علي شاطئ بورسعيد، وذلك حتى يستمتع المصطافين بالأجواء الصيفية في جو آمن".
ولا ينكر شطا وجود تجاوزات من أصحاب تأجير الخيول و"البيتش باجي"، ويضيف لـ"البورسعيدية": “هم يأتون خلسة وعلى الفور نتعامل مع الحالات الفردية".
وحول ارتفاع حالات الغرق، أكد شطا وجود أطباء وأبطال عالم مُدربين على أعلى مستوى لحماية أرواح الأهالي داخل منظومة الإنقاذ، مضيفًا: “نجحنا في إنقاذ حالات غرق كثيرة ويصل عددها إلى ثلاث أو أربع حالات يوميًا".
ومع بداية أغسطس تلقت إدارة الشاطئ خطابًا من المحافظة بإغلاقه؛ لخطورته على المواطنين، لذا شدد شطا على ضرورة التزام المصطافين بالتعليمات من أجل سلامتهم الشخصية.
ويعتقد شطا أن هذا الوضع لم يتكرر منذ سنوات عديدة، موضحًأ: "هذا يأتي عقب ارتفاع نسب الغرق على شواطئ بورسعيد مقارنة بالأعوام السابقة وتسجيل المحافظة ست حالات غرق مع بداية الصيف، ونحن لدينا خطة عمل تم إعدادها من أجل حماية أرواح المواطنين؛ من خلال رفع الأعلام السوداء، وأطلب من المصطافين الالتزام بتعليمات المنقذين والخط الآمن للسباحة".
وحمّل شطا جزء من خدمة نظافة الشاطئ لمسئولي الأحياء، وقال: “النظافة مسئوليتهم بالتنسيق مع إدارة الشاطئ لرفع المخلفات وتطوير خدمات النظافة بالتعاون مع مؤجري الشماسي وأصحاب الكافتيريات، وعلى المواطن أن يعي أهمية تنظيف مكانه قبل مغادرته".
وعن غلاء الأسعار قال شطا إنه بوسع كل مواطن إحضار مقاعده الخاصة وقضاء يوم مميز على الشاطئ دون دفع أموال.