هنا في بورسعيد، الكل يعرف "خالتي فرنسا" سيدة في نهاية العقد الرابع انفصلت عن زوجها تاركًا في رقبتها طفلتين صارت مسئولة وحدها عن تربيتهما.
على الرصيف التقى "البورسعيدية" السيدة "الصلاة على النبي محمود حسن"، أو "خالتي فرنسا"، التي لم تجد بابًا تطرقه لتربية أبنائها إلا العمل في مهنة تأجير "الدراجات"، ومنه أطلق الناس عليها هذا الاسم مثل عبلة كامل في فيلم "اللمبي".
ما إن رأتنا "فرنسا"، حتى قالت: "أمنية حياتى شقة أوضة وصالة، ويكون عندى كشك صغير بدل المرمطة على الرصيف"، كلمات موجعة نطقت بها تلخص معاناتها من الوقوف ساعات طويلة يوميًا على الرصيف في الصيف والشتاء، إذ هي الوحيدة من السيدات في بورسعيد التي تؤجر الدراجات وتقوم بإصلاحها للأطفال في الشارع.
وُلدت "الصلاة على النبي"، 39 عامًا، في بورسعيد، ثم تركتها في سن 24 عامًا ذاهبة مع زوجها إلى مركز المنزلة في الدقهلية، ثم بعد 10 سنوات انفصل عنها واختفى تمامًا فعادت إلى موطنها، وترك لها طفلتين، الكبيرة رحاب بعمر 11 عامًا، والصغيرة ريتاج عشرة أعوام، قبل أن يختفي تمامًا منذ خمس سنوات ولا تعلم أين مكانه، حتى أنه مُطالب أمام المحكمة بسداد نفقة قدرها 86 ألف جنيهًا.
تصف أيامها بعد العودة وتقول: “لما رجعت لبورسعيد، سكنت وبناتي في منزل أبويا مع أختي المُطلقة وولديّها، دخلي الشهري كان 750 جنيهًا فقط من معاش والدي، لكن الديون والمصاريف تراكمت عليّ، مكنش فيه بديل غير أنزل للعمل".
ورغم خروجها من التعليم بعد الصف الثاني الإعدادي، لم تفقد "الصلاة على النبي" الأمل في العثور على عمل مناسب تستطيع منه كسب "لقمة عيش من الحلال"، والإنفاق على بنتيّها.
في البداية؛ حصلت على قرض مالي لتمويل المشروعات الصغيرة قدره 10 آلاف جنيهًا، بدأت بهم مشروعها لتأجير الدراجات، تقول: "ذهبت إلى طنطا لشراء أربع دراجات صغيرة وبعد موافقة سكان الشارع بدأت رحلتي من عامين تقريبًا، أسفل منزل والدي، داخل منطقة في حي الزهور أحد أكبر الأحياء الشعبية في بورسعيد".
عمل "الصلاة على النبي" في مهنة تُنمّط على أنها "رجالي"، تعلق عليها قائلة: “أنا ضد فكرة أن هناك للستات وأخرى للرجال، بالعكس من الممكن أن تتفوق الست على الراجل في أي مهنة، لذلك أنا حريصة على تعليم بناتي عشان يساعدوني في العمل، ويجب على كل سيدة السعى ولا تستند على إن شخص آخر ينفق عليها أو يساعدها".
تقريبًا تعمل الصلاة على النبي – التي تحب لقبها بخالتي فرنسا- في إنهاء المهام منذ استيقاظها وحتى نومها، ففي الصباح تخصص وقتها لإنهاء أعمال تنظيف البيت والطبخ والمذاكرة للبنات، بينما يبدأ عملها في تأجير الدراجات من الخامسة مساءً وحتى الواحدة بعد منتصف الليل.
وتضيف: “بدأت التسويق لمشروعي من خلال تخفيض سعر الإيجار، لأن الجميع يؤجر الربع ساعة بخمسة جنيهات، لكنني قررت تأجير النصف ساعة بنفس السعر لكي يزيد الإقبال من الأطفال، وفي البداية كنت أواجه صعوبة في إصلاح العَجَل، كنت مضطرة للذهاب للعَجَلاتي لتصليحه، فانتظر وقتًا طويلًا وأصرف فلوس كتير يوميًا، لذا تعلمت كيفية إصلاحهم من خلال مشاهدتي للعَجَلاتيّ، وبعد 15 يومًا أصبحت أحدد ما تحتاجه الدراجة لتعود إلى العمل والحركة من جديد، من كافة الأجزاء مثل اللحام والنفخ وشد الجنزير".
تعلُم إصلاح العجل، يتفق مع قصة كفاح "خالتي فرنسا"، تقول بفخر: “اشتغلت من وأنا عندي 16 سنة في سوق الخضار لمساعدة أبويا وأمي، كانت مهنة كلها شقا لأني كنت أذهب كل يوم إلى سوق الجملة لشراء الخضراوات وتحميلها على العربة ولكني تعلمت كثيرًا منها، وأيضًا عملت في صيدلية ومحال لبيع الملابس بعدها، وبالرغم من أن زوجي السابق منعني من العمل إلا أنني كنت أقوم بشراء ملابس جاهزة من مدينة القنطرة، وأعرضها على جيراني وأقاربي السيدات لبيعها بالتقسيط".
وبعد استقرارها في تأجير العجل؛ قوبلت "الصلاة على النبي" بتنمر من معظم سيدات المنطقة لعملها في مهنة يحتكرها الرجال، لكنها تجاهلت الرد، تعلق: “الشغل مش عيب ولا حرام".
وللتخلص من التنمر وحماية الدراجات من سوء الأحوال الجوية، لجأت إلى جمع موافقات سكان العمارة التي تسكنها، لبناء كشك صغير تحتمي فيه، تقول: “لا أريد مخالفة القانون مثل الآخرين، أناشد رئيس حي الزهور والأجهزة التنفيذية بالمحافظة بالموافقة على الكشك أو توفير مكان صغير ليّ، فهذه أبسط حقوقي المشروعة".
تضيف: “لا أطلب أكثر من توفير حياة كريمة، خايفة أموت وبناتي ميلقوش مكان يسترهم".
تسترجع "الصلاة على النبي" أمنياتها في توفير مسكن لها وتقول: “أنام وأختي وبناتي في غرفة، وفي الغرفة الثانية ينام ولاد أختي، لكن من 13 سنة قدمت وزوجي السابق لديوان عام محافظة بورسعيد للحصول على شقة في مشروعات الإسكان، ودفعت ثلاثة آلاف جنيهًا، ورُفض الطلب لأن زوجي مواليد محافظة أخرى، وأنا الآن مطلقة وأستقر هنا، أليس لديّ الحق في شقة؟"، تسأل باهتمام.
واختتمت كلامها، وقالت: "إنه منذ حوالي عام ونصف كرمني اللواء عادل الغضبان، محافظ بورسعيد، وأعطاني مبلغ 10 آلاف جنيهًا لسداد قرض تمويل المشروعات الصغيرة، ووقتها وعدني مدير مكتبه أن المحافظ يدرس أمر الشقة وسوف يتواصل معي، ولكن لم يحدث ذلك حتى الآن".