في العام 2005 خطى محمد غالي الشهير بـ"الريس غالي" أولى خطواته تجاه حُلمه، في تطوير آلة السمسمية، بإنشاء متحف آلة السمسمية التراثي، بعد أن كان واحدًا من مؤسسي "فرقة الطنبورة" في تسعينيات القرن الماضي، التي كانت واحدة من أهم علامات امتداد التراث والموروث الشعبي في بورسعيد.
وبرغم براعة غالي في فن النجارة، إلا أنه لعب دورًا في فرقة "الطنبورة"، إذ كان مسؤولًا عن تحفيظ الأغاني التراثية لأعضاء الفرقة، ويؤدي معهم بعض الأغاني، إلى أن طلب منه أعضاء الفرقة، صناعة "سمسمية"، وحين أنهاها ولاقت إعجابهم، طلبوا آلات أخرى، ومن هنا جاءت حكاية "الريس غالي" مع صناعة السمسمية، بمنطقة القنال الداخلي، خلف سوق البالة بحي العرب.
متحف وورشة
أسس غالي متحف آلة السمسمية ، بمركز "التراثية" للفنون والثقافة، الذي يُعدّ المتحف الأول والوحيد في مصر، ويقع في حي المناخ أمام المعهد الفني الصناعي ببورسعيد، ومن داخله أكد لـ"البورسعيدية" أن مشوار "النجار" العاشق للآلة الموسيقية، بدأ أثناء دراسته بمدرسة "الصنايع الثانوية"، إذ استخدم حينها طبق صغير ومجموعة أخشاب وأسلاك لصناعة أول "سمسمية" نالت إعجاب الجميع.
ليواصل بعدها مهنته الجديدة التي تخصص فيها على مدار الأربع عقود الماضية، وانتهى بتطويرها وزيادة أوتارها وتحسين خاماتها، بالتصدير لليمن والسعودية، حاملة شعار "صُنع في بورسعيد".
وفي 2005 قرر غالي تأسيس ورشته، بهدف الحفاظ على التراث الثقافي لهذه الآلة الموسيقية، وأطلق عليها اسم ورشة "التراثية"، ويقول غالي: "السمسمية آلة ساحرة، تنادي مثل الندّاهة وأنا أُجيب".
تاريخ السمسمية في بورسعيد
"جلبها عمال نوبيون خلال حفرهم قناة السويس".. هكذا فسر غالي رحلة "السمسمية" ووصولها لبوروسعيد، ليضيف قائلًا "خلال القرن الماضي في بورسعيد ارتبطت "السمسمية" ذات الهيكل المثلث الشكل بالمدن الساحلية المطلة على قناة السويس، وكان وجودها أيضًا في دول السودان واليمن وبعض الدول العربية، وخصوصًا مدينة بورسعيد".
واستكمل غالي قائلًا "تاريخ السمسمية قديم، وهي بالأصل آلة فرعونية موجودة في مصر، من الجنوب إلى الشمال، رُسمت على جدران المعابد، مثل آلة الجسارة وآلة الهرك، وهناك محبين كثيرين للسمسمية، ليس لموسيقاها وصوتها فقط، بل لأنها شاركت في الحرب بأغاني المقاومة، ولهذا السبب كانت مصدر إعجاب للجمهور".
وحتى تاريخ انتشار السمسمية خلال فترات الحرب ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، لم يكن للسمسمية صناع متفردين بإنتاجها، ولهذا أصر غالي على إنشاء ورشته المتخصصة في صناعة السمسمية.
يقول غالي: "طورت من الآلة، لأنها كانت تحتوي خمس أوتار فقط، وكان يُطلق عليها أنها "آلة عاجزة"، ومع التطوير وزيادة عدد الأوتار، أصبح الناس يُقبلون عليها كعازفين، وبدأ التعامل معها كآلة موسيقية".
وحول أسرار صناعة السمسمية، أضاف غالي "تُصنع السمسمية من الخشب، ويُرسم عليها مع الاحتفاظ بالقواعد الأساسية، وبعد ذلك يُفصّل الخشب ويُدهن وتُركّب له الأوتار، ولها عزف خاص مختلف بقية الآلات الموسيقية الوترية .
رحلة تراثية
وخلال رحلته مع التصنيع، أكد غالي أنه تعامل مع أشهر عازفي السمسمية البورسعيدية، ومنهم عميد السمسمية الشاعر كامل عيد، والمُلقّب بـ"حافظ التراث" محمد عبد القادر، أحد أشهر شعراء العامية البورسعيدية، الذي شغل منصب رئيس مجلس إدارة جمعية فناني وأدباء بورسعيد.
كذلك تعامل غالي مع المؤلف محمد الشناوي، والسيناريست محمد الباسوسي، والمطرب الراحل حسن العشري، والريس كنش من أعضاء فرقة الطنبورة القدامى.
وأمام هذا التاريخ، اختتم غالي حديثه، حول طموحه لـ"التراثية" قائلًا، "باحلم إنها تكبر وتكون فى مكان تاني، الناس كلها تقدر تسمعها زي وسط المدينة، وأن يكون لها قسم تصنيع كبير، يصنعون السمسمية، لأنني أطمح أن تستمر هذه الآلة بكل العصور ويعرفها الأجيال الحالية والقادمة لأنها رمز من رموز التراث".