تحمل مدينة بورسعيد الباسلة العديد من الحكايات والمواقف التاريخية التي سطرت أسم المدينة بحروف من نور وذهب داخل كتاب التاريخ وخاصة في فترة العدوان الثالثي على مصر وما حدث به، وهناك من حاولوا أن يحكوا ويسردوا تلك الفترة التاريخية الهامة لكن أهمهم وأفضلهم على الإطلاق كان الأستاذ ضياء القاضي.
ولد ضياء الدين حسن القاضي في 9 سبتمبر من عام 1944، في مدينة بورسعيد الباسلة، وحصل على بكالوريوس التجارة من جامعة بورسعيد عام 1967، ليبدأ في مسيرته الحافلة بعد ذلك، كأحد أعضاء لجنة تاريخ نضال وكفاح شعب بورسعيد، وأيضاً عضو المجلس الأعلى للتراث والتنسيق الحضاري، وعضو فخري مدى الحياة بمكتبة الإسكندرية، وعضو اتحاد المؤرخين العرب بالقاهرة، ومعد برامج تاريخية وثقافية بالإذاعة والتلفزيون، حتى أن أصبح أحد أهم مؤرخي محافظة بورسعيد الذين جسدوا تاريخها ونضالها.
استطاع "القاضي"، أن يقوم بتوظيف الصور الفوتوغرافية وصور "الجرافيز"، وهي الحفر على الحجر كوثيقة تاريخية تشهد على مرحلة من أهم مراحل تاريخ مصر وكفاحها ضد المستعمر، وذلك فى "موسوعة تاريخ بورسعيد"، التى أصدر الجزء الثالث منها لتكتمل بذلك ثلاثية "جبرتى بورسعيد".
وصف الدكتور ثروت عكاشة، المفكر ووزير الثقافة الأسبق، الموسوعة بأنها "الملحمة التاريخية الموثقة"، وقد أطلقت الكاتبة الكبيرة سكينة فؤاد ابنة بورسعيد على هذه الموسوعة "ثلاثية ضياء القاضى فى تاريخ بورسعيد" تشبيهاً بثلاثية نجيب محفوظ، وقد سبق وأن وصفه الكاتب الأديب جمال الغيطانى بأنه "مؤرخ بورسعيد"، وذلك فى كتابه بورسعيد عمارة القرن التاسع عشر والقرن العشرين الذي صدر باللغتين العربية والفرنسية.
شهر ديسمبر هو الشهر الذي نحتفل فيه بعيد محافظة بورسعيد القومي، لذلك حرص فريق عمل البورسعيدية على نشر أجزاء من حكايات "القاضي"، عن نضال أهالي بورسعيد..
يقول "القاضي"، سطر أهالى المدينة الباسلة حروفاً من نور فى مقاومة العدوان الثلاثى على مصر عام 1956، فقبلوا التحدى ورحبوا به منذ اللحظة الأولى لبداية المعركة، توزيع الأسلحة، وتهافتت جموع الشعب البورسعيدي لكى يحصل كل فرد على قطعة سلاح وذخيرة.
نظمت الأهالي مظاهرة شعبية على هيئة جنازة صامتة على روح الشهداء الأبطال "حسن سليمان حموده ورمضان السيد"، من نقطة سقوطهما شهيدين عند تقاطع شارع محمد على والثلاثينى، استمر خط سير المظاهرة حتى نهاية المدينة إلى مكان دفنهما.
ويكمل "على إثر تلك المظاهرة أصدرت القيادة البريطانية أمرا بحظر التجمع لأكثر من 16 شخصا خوفا من تكرار تلك المظاهرة، كما تم تنبيه قوات الطوارىء الدولية بعدم السير بجانب أو مع القوات المعتدية حتى لا يصيبهم أى أذى من قبل قوات المقاومة الشعبية التي تتصدى للقوات المعتدية".
ويواصل "كما امتلأت شوارع بورسعيد الرئيسية بالعديد من الدمى المعلقة من رقابها لتمثل قادة الحملة البربرية "ايدن وموليه وبن جوريون"، كما غطيت جدران منازل شارع الثلاثينى بالملصقات ذات الشعارات العدائية ضد القوات المعتدية تتوسطها جمجمة وعظمتين التى تمثل شعار الفدائيين، كما انتشرت صور الرئيس جمال عبد الناصر على الأعمدة الخرسانية لعمارات هذا الشارع".
"فى الثالث والعشرين من نوفمبر احتلت دبابات ومصفحات وسيارات القوات المعتدية شوارع المدينة وتمركزت قواتها حول شكاير الرمل محتمية خلفها بنواصى الشوارع خوفا من الهجمات المضادة من الفدائيين كما ركزت دورياتها فى حى العرب لإرهاب الأهالى فما كان من الصبية الصغار أن ساروا خلفهم يتتبعوا خطاهم وحملوا بنادق من الخشب على أكتافهم وصناديق كرتون وراء ظهورهم على أنها أجهزة لاسلكى استخفافا بهم".
ويكمل "فى اليوم التالى حاولت القوات البريطانية الاحتماء بالقوات الدولية وتوريطها فى اشتباكات مع الأهالى لكنها فشلت لأن الأهالى كانوا يعرفون قوات الطوارىء من قبعاتهم وخوذاتهم الزرقاء كما سبق تنبيههم بعدم السير بالقرب منهم حتى لا يصابوا من هجمات الفدائيين".
ويضيف "الفدائيون استخدموا الدراجات فى اختطاف جنود الدوريات المارة بشوارع المدينة فعلى سبيل المثال إذا كانت الدورية مكونة من أربعة جنود يركب أربعة من الفدائيين 4 دراجات بحيث يتولى كل واحد منهم اختطاف سلاح كل واحد من الأربعة جنود ويهربون لذلك أصدر ستوكويل أوامره بمصادرة أعداد هائلة من الدراجات وحاول تعكير الصفو بين أبناء بورسعيد والقوات الدولية المتواجدة فى المدينة فعرض أن تسير دوريات مشتركة من القوات البريطانية وقوات الأمم المتحدة إلا أن الجنرال بيرنز أصدر أوامره لقوات الطوارئ الدولية التابعة له بأن يكون دورياتهم مستقلة حفاظا على شعور أبناء بورسعيد".
ويختتم " فى يوم الجمعة الموافق 30 نوفمبر عام 1956 قام أطفال مدينة بورسعيد بالسير على هيئة دوريات وهم يحملون على أكتافهم بنادق خشبية وعلى ظهورهم صناديق من الكرتون تشبه اللاسلكى كنوع من الاستهزاء بدوريات القوات المعتدية".