ما بين مُعاصريها ومن سمعوا عنها ورأوا أطلالها، اتفقّت الآراء على أن عدم إعادة فتح أبوابها لاستقبال الجمهور يعتبر حرمانًا من نشر الثقافة والوعي لأهالي ملوي بمحافظة المنيا، حيث كانت دور العرض الخمس مفتوحة لأبنائها، فيما أصبحت ملوي اليوم-أكبر مراكز المنيا-محرومة من أي نافذة للسينما.
إلى الآن لا يزال مبنى السينما الشتوية موجودًا في موقعه، فيما لم يعد للسينما الصيفية وجود سوى أثر بسيط، يتجاور المبنيان اللذان يقعان على ترعة الإبراهيمية. في الماضي ضمّ مقر السينما الصيفية مسرحًا وشاشة عرض مفتوحة، كما يذكر محمود حسن السبروت، باحث ومؤرخ من مركز ملوي.
خمس قاعات
في فترة أواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات من القرن الماضي كانت المدينة تزدهر بخمس قاعات سينما؛ اثنين منهما كانا في موقع مُتجاور، سينما بالاس الصيفية، والسينما الشتوية، ودور العرض الثالثة كانت تقع أعلى محل "بنزايون" الواقع بشارع صلاح الدين، المشهور حاليًا بشارع الصاغة، وبحسب السبروت فإن السينما لم يعد لها أي أثر "بحثت عنها إلا أني لم أجد تواريخ لها، لكن وجدت خريطة بها اسم السينما وهو "كرمولوليس".
وتقع السينما الرابعة التابعة لوزارة الثقافة أعلى مبنى المطافئ، لكنها توقفت عن العمل، فيما أصبح الموقع الخاص بها الآن قصر ثقافة ملوي، وتعتبر تلك السينما الوحيدة الحكومية، بينما يمتلك دور السينما الأخرى أفراد.
وتُعد الدار الخامسة سينما مُتنقّلة، حيث كانت توضع ماكينة العرض على منضدة، وفي الواجهة شاشة عبارة عن قماشة بيضاء، فيما تُفرش الحصر في أي شارع يقع الاختيار عليه، وأكد السبروت أنه لم يعثر على أي تواريخ واضحة أو معلومات عن أصحابها أثناء رحلة بحثه، باستثناء سينما "بالاس" الصيفية.
تعمل حاليًا السينما الشتوية الواقعة على ترعة الإبراهيمية كمكان للعروض المسرحية والحفلات الغنائية، إذ رأى أصحابها أن تجهيزها بهذا الشكل مُربح أكثر مما كان عليه في السابق، كما يذكر الباحث التاريخي.
تطرف وحظر
في الماضي كان الأحد من كل أسبوع هو موعد عرض الأفلام في ملوي، بمعدل فيلمين جديدين، أحدهما عربي والآخر أجنبي، بحسب السبروت، الذي أضاف قائلًا "أغلقت كل السينمات في أوائل التسعينيات".
يؤكد السبروت أن أسباب الغلق تلخّصت في الصدام الذي حدث بين تنظيمات الجماعة الإسلامية والشرطة، وقتها فُرض حظر التجول بملوي، ولم يعد هناك إقبال على السينمات خلال فترة حظر التجول، مما دفع أصحابها إلى غلقها، وكان آخرها سينما بالاس التي توقفت عام 1995.
أكد على حديث السبروت أحد المعاصرين لتلك الفترة-رفض ذكر اسمه- إذ نشبت صدامات بين الجماعات الإسلامية والشرطة، ومُنع السير في ملوي بعد التاسعة مساء.
عاصر السبروت تعدد السينمات داخل ملوي، فيما قال بحنين "رُبما يظن كثيرين أن المجتمع بملوي كان مُنغلقًا، إلا أن نزهة السينما كانت ضرورية لنا "كُنت باخد وقت عشان أقطع تذكرة بسبب الزحمة، رغم إن عدد السكان في ملوي مكنش كبير زي دلوقتي".
البيع أفضل
ويذكر السبروت أن سعر تذكرة " الصالة البلكون" كانت بـ15 قرش وتعريفة، وسعر تذكرة "الترسو الصالة"- المقاعد الخلفية- يبلغ نصف شلن.
لم تُفتح سينما بالاس منذ 29 عامًا، التي تملكها إحدى عائلات مدينة ملوي، رأى أصحابها أن بيعها سيكون مُربح أكثر من إعادة فتحها.
ويتذكر خليفة عبد السلام، 62 عام، ما تُمثّله له سينما "بالاس"، فيقول "عندما كان يأتي إلينا شخص من إحدى القرى المجاورة، كنا نذهب به إلى السينما، فقد كانت الفسحة التي تجمعنا كطلاب مغتربين من أجل الدراسة، كما كانت النزهة المعتادة لنا في مواسم الأعياد".
في حديث مع أحد أصحاب السينما التي ورثها عن والده -رفض ذكر اسمه- قال إن "بالاس" كانت تتعرض للخسارة في الفترة بين عامي 1992 إلى 1994، وهو العام الذي أُغلقت فيه السينما، ما يتعارض مع حديث السبروت الذي أكد على أنها أُغلقت في عام 1995، وكان الصدام بين الجماعات الإسلامية والشرطة وحظر التجوال المفروض "القشّة" التي دفعتهم لإغلاقها.
أزمة تراخيص
فكّر الورثة مرات في إعادة فتح سينما "بالاس"، لكن ما أوقفهم هو أن إعادة الفتح يُكلّف ملايين الجنيهات "كنا سنُعيد إحيائها مرة أخرى لكن تكلفة إصدار تراخيص مرة أخرى باهظة الثمن"، فيما أشار إلى أن "بالاس" أُلغيت رُخصتها في عام 2008 بسبب توقف عملها لسنوات.
وأكد الوريث الذي رفض ذكر لاسمه أنهم يفكرون في بيع المبنى، مؤكدًا على عدم إلزام القانون لهم بعدم هدمها أو بيعها، أو حتى ضرورة بيعها لمن يُعيد فتحها كسينما مرة أخرى.
لا يزال بملوّي أجيالًا تربّت على حُب السينما، ولديهم ذكريات بسينمات مدينتهم، فسيد فتحي، معلم رياضيات بمدرسة ملوي الثانوية العسكرية على المعاش، نما بداخله حب السينما "في التسعينيات كان عندنا وسائل ترفيه كتيرة، والسينما مكنتش شيء منبوذ عند أهالي ملوي".
لكنه اليوم حينما يتحدث مع أحفاده يُبدون اندهاشًا من انفتاح ملوي في الماضي، فيما يرى ضرورة قيام وزارة الثقافة بفتح سينما مرة أخرى "إغلاق السينما هو حجب للعقول ولنشر الثقافة، وده ممكن يؤدي لنتائج خطيرة".
سينما المنيا الجديدة
حاليًا توجد أجيال لم تُعاصر سينمات ملوي، وحلُمت في الوقت ذاته بإنشاء سينما، فمينا يسري مُخرج أفلام قصيرة من أبناء المدينة، كانت بداية تعلقه بالأفلام عبر مشاهدتها بالتليفزيون، بعدها حينما نما اهتمامه بالسينما ترددت على مسامعه أن سينمات ملوي كانت قائمة بفترة ما، لكنها أغلقت.
ومع زيادة شغفه بالسينما قرر صناعة فيلم وثائقي تحرّى فيه عن عدم وجود سينمات بصعيد مصر عامة، ومدينته ملوي خاصة "حاولت عمل فيلم فيه تفاعل بصري وفني، وميبقاش فيلم استقصائي".
يُذكر أن دار العرض الوحيدة بمحافظة المنيا حاليًا، تقع بمدينة المنيا الجديدة، أُنشأت عام 2017 داخل "مول سيتي سكيب"، وتبعد عن ملوي بحوالي 50 كيلو متر أي على بعد ساعتين، بالإضافة لندرة وسائل النقل العام من ملوي إلى المنيا، مما يصعب على أبناء ملوي الذين يبلغ عددهم نحو 969.245 ألف نسمة من التردد عليها باستمرار.