عاشت أم محمود، 50 عامًا، أيامًا عصيبة في منزلها بمحافظة المنيا مطلع أكتوبر الجاري ولمدة زادت على الأسبوع، إذ ظل فؤادها يملأه القلق على مصير نجلها محمود الذي يعمل في مدينة بنغازي الليبية، منذ انقطعت أخباره عنها.
الأسئلة كل يوم دارت برأسها.. “لماذا لم يتصل بي؟".. أين ذهب؟، لكنها لم تكن تعلم أن انقطاع الاتصالات عن المدينة منذ هذا الوقت عطل ابنها عن اتصاله اليومي بها.
ويأتي غالبية العاملين من المصريين في ليبيا من ثلاث محافظات وهي "المنيا، الفيوم، والبحيرة"، بحسب تقرير "العمالة المهاجرة المصرية في ليبيا" الذي أعدّته المنظمة الدولية للهجرة في يونيو 2022، وذكرت فيه أن عدد المصريين هناك 144,543 ألف، وأكثر المهن التي يعملون فيها هي النجارة والبناء.
وتقول المنظمة إن 21 % من إجمالي المهاجرين في ليبيا من المصريين، ويشكل أبناء المنيا منهم نحو 11 %، ومعظمهم ذهبوا إلى ليبيا دون ذويهم.
ولا وسيلة أخرى للاتصال بين المنيا وبنغازي سوى الانترنت، لذا تقول أم محمود: “كنت قلقانة جدًا على ابني.. مكناش عارفين نتواصل معاه.. والقلق زاد أكتر من وقت الاعتداءات الإسرائيلية في قطاع غزة".
وهي ليست وحدها الذي ملأ القلق قلبها، فمثلًا حسام عمرو، 33 سنة، من محافظة المنيا، ويعمل نجار في بنغازي، اضطر لإجراء تغييرات كثيرة في نطاق عمله؛ من أجل الانتقال بين مدينتين لطمأنة أسرته.
يقول لـ"المنياوية" في اتصال عبر "الانترنت" بعد عودته: “كنت أذهب يوميًا إلى مدينة المرج لإجراء مكالمة دولية بالأهل في مصر، وهذا يعني قضاء ساعتين في المواصلات، ولم استطع الانتظار حتى تعود خدمة الانترنت؛ لأن بنتي بالمستشفى وعايز أطمن عليها".
وهذه هي المرة الأولى التي يعاني فيها عمرو للاتصال بذويه في المنيا، إذ طوال عامين قضاهما في ليبيا لم ينقطع الانترنت كل هذه المدة.
ويعول عمرو، أسرة من زوجة وطفلين، عشر وخمس سنوات، تركهم في المنيا، وذهب يبتغي الرزق في دولة أخرى، حين توقفت حركة البناء لبعض الوقت في بلدته.
وكأعزب مصري يحيا في مدينة لا يعرف أهلها جيدًا، زادت مشاعر الغربة لدى محمود علي، 23 سنة، والذي ينتمي هو الآخر إلى المنيا، ويعمل "سباك" في ليبيا بمدينة بنغازي، يقول: “الأيام التي انقطعت فيها الاتصالات جعلتني أشعر بالبعد عن الأهل أكثر، وابتعادي عن أصدقائي أصابني بحزن".
وكان علي يقضي يومه على الانترنت بعد انتهاء ساعات عمله، إذ يطالع الأخبار ثم يبدأ في التواصل مع أهله وأصدقائه، لكن ما خفف حدة البعد في ساعات غياب الاتصال هو اجتماعه مع باقي العمال ولعب "الدومينو" والسهر، لكن هذا لم يكفِ لمحمود للاطمئنان، يضيف: “كنت قلقان جدًا على أهلي وأعرف أيضًا أنهم يعانون".
كما غابت كل أخبار الأصدقاء والأقارب عنه، يقول إن والدته أخبرته أن ابن خالته عقد قرانه أخيرًا، يوضح: “لولا انقطاع النت.. كنت شوفت الفرح على الهواء في مكالمة فيديو".
وتشير تقديرات وزارة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج حتى سبتمبر الماضي، إلى أن عدد المصريين المسجلين في قواعد بيانات الوزارة ويعملون في ليبيا يقارب الـ 350 ألف مصري.
وكان قد شهدت مدينة بنغازي الليبية انقطاعًا للانترنت منذ السادس من أكتوبر الجاري؛ بسبب انقطاع وقطع كابل الألياف البصرية، وفق تصريح صحفي سابق نقلته وسائل إعلام ليبية عن محمد البديري، مدير الإعلام الرقمي بالشركة الليبية القابضة للاتصالات "الشركة الحكومية" التي تقدم خدمة الاتصالات في ليبيا.
ولاحقًا في الثالث عشر من الشهر أعلنت وزارة الاتصالات والمعلوماتية بالحكومة الليبية عودة خدمات الانترنت في كل الشركات داخل بنغازي، بعد إتمام عمليات صيانة كوابل الألياف البصرية.
وبنغازي ثاني أكبر المدن الليبية، ويسكنها نحو 807,255 ألف ليبي، بحسب آخر رقم صادر عن مصلحة الإحصاء والتعداد الليبية في 2020.