حماس بالغ، انتاب دعاء محمد، ولي أمر الطالبة نور في الصف الأول الابتدائي من مدينة أسوان، خلال اليوم الدراسي الأول لابنتها، إلا أن بمرور الأيام تحوّل الحماس إلى يأس، بسبب شكوى نور المستمرة من تعرضها للتنمر اليومي على يد زملاء لها بالفصل.
كانت نور كطفلة لديها عادة سيئة؛ وهي وضع أصابعها في أنفها، لذلك تعرضت للتنمر المؤلم من زملائها في الفصل، ورغم محاولاتها المتعددة للتوقف عن هذه العادة، إلا أن سخريتهم وتهكمهم لم يتركا لها مجالًا للتخلص منها بسهولة.
بدأت الفتيات يبتعدن عن نور ويُلقوها بالاتهامات مثل أنها ليست نظيفة ويُطلقون عليها ألقاب ساخرة، حتى قررت عدم الذهاب للمدرسة. تقول الأم: "هي عادة سيئة، ولكن لا يحقّ لهم التنمر عليها؛ لأن ذلك أثّر على حالتها النفسية بشدة فتبكي كل يوم، وتكره المدرسة التي من المفترض أن تكون مكانًا آمنًا".
نور واحدة من عشرات الطلاب في مصر الذين يعانون من التنمر اليومي على يد زملائهم في الفصل، داخل مدارس حكومية لا تضع أغلبها آلية فعالة لمكافحة التنمر، وتفتقر لوجود برامج توعية وآليات تنفيذية للحد من الظاهرة، ويتعرض الطلاب لممارسات مهينة تؤثر سلبًا على صحتهم النفسية وشعورهم بالعزلة.
أثر التنمر على الطفل
تؤكد الدكتورة مايسة فاضل، الخبيرة التربوية، وأستاذة علم النفس التربوي بالمركز القومي للامتحانات، أن التنمر يجعل الطفل شخصًا انطوائيًا في المستقبل يهاب التفاعل الاجتماعي، وقد يتجه إلى العنف تجاه الآخرين كرد فعل للتنمر المُمارس عليه.
تقول لـ"عين الأسواني": "للتنمر آثار نفسية خطيرة ومدمرة، لأن الطفل في تلك المرحلة العمرية يكون في أمسّ الحاجة إلى دعم نفسي وعاطفي ليشعر بالأمان والانتماء، وحين يتلقّى ما هو عكس ذلك يؤثر على نفسيته بشدة، لذلك لا بد أن تضع المدارس آلية واضحة لمكافحة التنمر".
وزارة التعليم ومكافحة التنمر
لا توجد آلية محددة داخل وزارة التربية والتعليم لردع التنمر في المدارس، سوى أنه في سبتمبر 2024، أصدرت الوزارة لائحة التحفيز التربوي والانضباط المدرسي بمرحلة التعليم ما قبل الجامعي.
واعتبرت اللائحة أن التنمر شكل من أشكال الإساءة والإيذاء المُتعمّد النفسي، وتنصّ اللائحة على عقوبات لكل مخالفة تتعلق بالتنمر، وفي حال كانت المخالفة من الجرائم الكبرى، تُحوّل إلى القضاء كقضية جنائية حتى يُبتّ فيها.
مدارس أسوان نموذجًا
تُطبّق بعض مدارس أسوان تلك اللائحة، وِفق حديث الدكتور محمد السنوسي، مدير عام الخدمات التربوية بمديرية أسوان التعليمية لـ"عين الأسواني"، إذ أكد أن كل مدرسة تشكل لجنة للحماية، تتكون من مدير المدرسة، ورئيس مجلس الأمناء، وآباء وأعضاء مجلس الأمناء والمعلمين، ومسئول شئون الطلاب، والمُختصين الاجتماعيين والنفسيين، ومسئول الأمن في المدرسة، هذه اللجنة مسؤولة عن جمع المعلومات وتلقي الشكاوى بشأن حالات التنمر، وكل مدرسة لديها طريقة لمكافحة التنمر.
طرق مكافحة التنمر بالمدارس
من بين تلك الطرق ما تُطبّقه مدرسة عوض السيد الثانوية للبنات في أسوان، إذ تقول آمال عبدالموجود، مديرة المدرسة لـ"عين الأسواني": "نبدأ بالتنبيه على الطلاب في البداية بعدم إيذائهم بعضهم البعض، وفي المرحلة التالية يُستدعى ولي الأمر إذ تكرر فعل التنمر".
تضيف: "والخطوة الثالثة هي إجبار الطالب المتنمر على توقيع تعهد بعدم المساس بزملائه، وإذا تكرر الأمر يُفصل لمدة ثلاثة أيام، وفي حال الاستمرار يُفصل نهائيًا، إلى جانب العمل التوعوي عن طريق نشر لائحة عن التنمر وعقوبته بالمدرسة وتنظيم ندوات لمكافحة التنمر".
ابن أماني يتعرض للعنف والتنمر
ورغم تلك الجهود، إلا أن ابن دعاء محمود، ولي أمر طالب في المرحلة الابتدائية بأحد مدارس أسوان يدعى يس، تعرض لواقعة تنمر على جسده وشكله وعنف بدني من أحد زملائه في الفصل وصل إلى الضرب.
تقول دعاء إنها حين ذهبت للشكوى للمختصة الاجتماعية بالمدرسة لم تجد الاهتمام الكافي منها، وسجّلت استدعاء ولي أمر للطالب الذي يمارس التنمر، إلا أن الأخير لم يحضر، ومرت الواقعة بلا أي عقوبة، مما أثر على نفسية الطفل وجعل أماني تبحث عن إجراء آخر تأخذه لحماية ابنها من التنمر.
أسباب التنمر
تُرجع مايسة فاضل، الخبيرة التربوية، التنمر إلى عدة عوامل منها عدم التوجيه من الأهل، أو غرز القيم أو التعرض لممارسات عنيفة في المنزل، مُوضحة أنه على الرغم من أهمية تفعيل لائحة مكافحة التنمر بالمدارس، إلا أنها غير فعالة بسبب عدم المساعدة من الأهل.
وقائع التنمر في مصر
نور ويس ليسا الواقعتين الوحيدين للتنمر في مصر، لكن خلال ديسمبر الماضي شهدت محافظة القليوبية في مصر حادثًا مأساويًا راح ضحيته طالبة 14 عامًا بالصف الأول الإعدادي، مُتأثرة بإصابتها إثر تعرضها للعنف من زميلتها التي دفعتها بقوة لتصطدم رأسها بجسم صلب داخل المدرسة.
ويتعرض 130 مليون طالب سنويًا للتنمر على مستوى العالم، وِفق تقرير نشرته منظمة الأمم المتحدة للطفولة خلال العام 2023.
حلول نحو مكافحة التنمر
لذلك فإن عملية مكافحة التنمر تتطلب تعاون بين الأسرة والمدرسة، وِفق السنوسي مدير عام الخدمات التربوية، الذي يؤكد أن اللوائح لا تطبق أو تكون فعالة بشكل منشود بسبب عدم تعاون الأسر.
بينما ترى مايسة فاضل الخبيرة التربوية، أن حل التنمر يعتمد على جذب الطلاب نحو الأنشطة الجماعية، وتؤيدها آمال مديرة مدرسة عوض السيد، بأن الأنشطة تشغل فراغ الطلاب وتعزز روح التنافس الشريف بينهم بعيدًا عن ممارسة التنمر.
وسط البحث عن الحل الأمثل، ما تزال نور ويس يعانيان من التنمر دون وجود آلية في كل المدارس لمكافحته أو مساهمة من الأهل في التوعية.
جميع أسماء الطلاب المذكورة مستعارة حفاظًا على هويتهم الاجتماعية