احتفت البعثة المصرية بحصيلة مشاركتها في بارالمبياد باريس 2024، إذ حققت 7 ميداليات متنوعة بمشاركة 54 لاعبًا ولاعبة في 10 رياضات، فيما كان نصيب أبناء محافظة أسوان من المشاركة والتتويج؛ صفر.
لم تكن نسخة باريس 2024 حالة منفردة، فرياضيو أسوان لم يشاركوا في أي نسخة سابقة من البارالمبياد، وهو ما يثير قلق وتساؤل والدة "دعاء جابر"، لاعبة ألعاب القوى في نادي ذوي الاحتياجات الخاصة بمدينة أسوان، عن الوقت الذي سيتوفر فيه لابنتها ولمواهب أسوان الرياضية الأخرى في الاهتمام والدعم، لتأهيلهم لتحقيق حلم المشاركة في البارالمبياد مستقبلًا.
مقر مؤقت
أربع سنوات كاملة قضتها إيمان سيد والدة "دعاء" مع مجموعة من الأمهات، ينتظرن قُرابة الساعتين، داخل مركز شباب بدر بمنطقة الطالبية بمدينة أسوان، حيث المكان المؤقت لتدريبات نادي ذوي الاحتياجات الخاصة، الذي كان مُخصصًا لتدريبات أبنائهن منذ عشر سنوات، حيث يخصص لهم نصف ملعب، فيما يشاركهم النصف الآخر أكاديميات رياضية خاصة تستأجر ملعب المركز لتدريبات لاعبيها.
رحلة دعاء جابر، 14 عام، لاعبة عدو من أصحاب متلازمة داون في المجال الرياضي، بدأت قُبيل الصدفة بعد واقعة تنمر تعرضت له في السابق، تقول والدة "دعاء": "فور ولادة دعاء اكتشف الأطباء إصابتها بمتلازمة داون، إلى جانب معاناتها من ثقب في القلب وضعف مناعي، منعها من الاختلاط بالعالم الخارجي، لكثرة تعرضها للإجهاد، فكانت أغلب الوقت حبيسة داخل المنزل، إلا أنه مع مرور الوقت تعافت وأصبحت تستطيع الخروج إلى الشارع”.
قرار التدريب
وتستكمل "أثناء اصطحابها إلى أحد الأسواق ضايقتها ابنة إحدى السيدات فحاولت "دعاء" رد الضربة، إلا أن والدتها وبختني بسؤالها: " لو عندك طفلة معاقة بتخرجي بيها ليه؟".
الجملة التي أحدثت أثرًا داخل نفس "إيمان"، دفعت إحدى السيدات التي شاهدت الموقف بتقديم نصيحة لها، بإلحاق ابنتها بنادي رياضي لذوي الهمم لتندمج مع الأخرين، وطالبتها بألا تخجل من خروج ابنتها إلى الشارع، وبالفعل بحثت والدة "دعاء" عن نادي يناسب حالتها وانضمت لنادي ذوي الاحتياجات الخاصة بأسوان.
يضم النادي المخصص لذوي الإعاقات فئات مختلفة، ومنها الإعاقات الحركية، ويندرج تحتها أصحاب شلل الأطفال والبتر والإصابات العسكرية أو تشوه القفص الصدري والصُّم والأقزام، ثم الإعاقة الذهنية والمكفوفين.
ورغم أن النادي أنشئ عام 1995، لكنه لا يزال يمارس أنشطته داخل مركز شباب بدر في وسط مدينة أسوان، لعدم استطاعته الحصول على الأرض المخصص للنادي حتى بعد 29 عامًا من تاريخ إنشائه.
عائق الإمكانيات
يُعلّق المستشار عبد الفتاح سليمان، رئيس مجلس إدارة نادي ذوي الاحتياجات الخاصة، خلال حديثه لـ"عين الأسواني" على عدم وجود مقر للنادي رغم قرار مصطفى السيد، محافظ أسوان حينها، بتخصيص قطعة أرض للنادي في عام 2010، مُوضحًا أنه لم يكن هناك إمكانيات لدى وزارة الشباب والرياضة، لبدء أعمال إنشاءات النادي، ومع مرور الوقت، تم التعدي على الأرض وبناء منازل عليها.
وأكد أنهم حصلوا بالفعل على قرار إزالة، لكن مع استمرار تعذّر بدء بناء منشآت النادي، تم التعدي على الأرض مرة أخرى وبناء ثلاث منازل، وحاليًا قدم مجلس الإدارة مذكرة إلى المحافظة لمساعدتهم في استرجاع الأرض، ووعد المحافظ إسماعيل كمال بحل المشكلة.
تُمثّل دعاء جابر، واحدة من بين 11% من أصحاب ذوي الهمم، من إجمالي عدد السكان البالغ 110 مليون مواطن، بحسب بيان صحفي للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في ديسمبر 2023، فيما يُقدّر عدد ذوي الإعاقة، في سن 5 سنوات فأكثر، بمحافظة أسوان، بحوالي 165,114 ألف مواطن، طبقًا لموقع "دراسة في حقوق الإنسان" التابع للهيئة العامة للاستعلامات.
ومنذ التحاق "دعاء" لنادي ذوي الاحتياجات الخاصة، شاركت ببطولة الجمهورية لألعاب القوى في رياضة العدو لذوي الاحتياجات الخاصة عدة مرات، إلا أنها لم تُحقق ميدالية، وكانت أقرب للميدالية البرونزية بحصولها على المركز الثالث مكرر في مشاركتها الأخيرة.
غياب التأهيل
توضح والدة دعاء أن الإمكانيات المحدودة تقف عائق في تطوير مستواها، خاصة في المسابقات التي تشارك بها في البطولات، والتي تمتد لمسافة 50 و100 متر، بالإضافة إلى أن الملعب الذي تتدرب به، يشاركها فيه لاعبين آخرين من أندية أو أكأخرى، وربما الأمراديميات الإيجابي الوحيد، هو أن النادي يحصل على رسوم اشتراك رمزية، تحددت بـ10 جنيهات سنويًا، بما لا يستنزف أسر الرياضيين ماديًا.
غياب التأهيل والتدريب الجيد رغم انخفاض تكلفته المادية، دفع والدة دعاء وبعض أولياء الأمور، لإضافة برنامج تدريبي خاص مدته ساعة واحدة داخل استاد أسوان الرياضي، يتحملون خلاله تكلفة مادية إضافية، تصل قيمتها إلى 10 جنيهات بعد الاتفاق مع مدرب خاص.
تعتمد الأمهات التدريب الإضافي الخاص، في فترات الاستعداد للمشاركة في البطولات، نظرًا لأن تأجير الاستاد، ليس أمرًا متاحًا طوال الوقت، كما أنه ليس مُعدًا لاستقبال رياضيين من ذوي الهمم، كما تتخوف الأمهات من تعرض أبنائهم للتنمر من متدربين آخرين داخل الاستاد.
المسؤول مجهول
تتمنى والدة "دعاء"، أن يشهد المستقبل توافر مكان خاص لابنتها وأقرانها من الرياضييين ذوي الإعاقات، يحتوي على ملعب كبير وعدد من المدربين المتخصصين، ليتم تأهيل الرياضيين لمستوى أفضل، وهو الأمر الذي يستحيل بواقع نادي أسوان لذوي الإعاقة، كونه الوحيد من نوعه بالمحافظة دون مقر خاص، منذ افتتاحه عام 1995، بحسب رئيس مجلس إدارة النادي.
البحث عن جهة مسؤولة عن الرياضيين من ذوي الإعاقة بمحافظة أسوان لم يكن أمرًا سهلًا، فبحسب سعد خليفة، وكيل مديرية الشباب و الرياضة، في حديثه لـ"عين الأسواني"، أكد أن دمج ذوي الهمم في المجال الرياضي بأسوان، يتم عن طريق مكتب قادرون باختلاف التابع لوزارة الشباب والرياضة، والذي يستهدف بدوره أعضاء مراكز الشباب في أسوان من أنشطة رياضية مختلفة؛ مثل كرة القدم والسلة للصم وألعاب القوى والطائرة، إلى جانب الأنشطة الفنية من مسرح وكورال وإنشاد ديني.
قادرون باختلاف
ويتابع "خليفة" حديثه "يضم مكتب قادرون باختلاف حاليًا، بين 500 لـ600 عضو، من ذوي الإعاقات المختلفة، وهو مفتوح لأي من ذوي الهمم للانضمام للمشروع عن طريق الحضور إلى المديرية، ونقدم الدعوة عن طريق إعلاناتنا على صفحاتنا الرسمية على فيسبوك، ويستهدف المشروع توفير الإمكانيات لمواصلة التدريبات من مدربين وأدوات".
وحول دور مديرية الشباب والرياضة، في دعم نادي ذوي القدرات الخاصة بأسوان، أوضح "خليفة" أن المديرية تقدم دعمًا ماليًا لإدارة النادي، في حدود 15 لـ20 ألف جنيه سنويًا، تخصص لدعم أنشطة النادي، وهو دعم بعيدًا عن دعم مشروع قادرون باختلاف، إذ يعتبر النادي قائمًا بنفسه كنادي مستقل، وبالتأكيد لا يعتمد على دعم مديرية الشباب والرياضة فقط.
ووفقًا لتصريح، أدلت به "أمل مبدى"، رئيس الاتحاد الرياضي المصري للإعاقات الذهنية، خلال مداخلة هاتفية أجراها في ديسمبر 2022، عبر برنامج الحياة اليوم، المذاع على قناة الحياة على خلفية احتفالية قادرون باختلاف، أوضحت أن الوزارة تمتلك أكثر من 4 آلاف مركز شباب في مختلف محافظات الجمهورية، والتي تُعدّ مكان هام جدًا لذوي الإعاقة لتدريبهم بالمجان، وأشارت إلى وجود 4 آلاف رياضي من ذوي الهمم مسجلين بالاتحاد.
أزمة التخصيص
ومع اختيار عبدالله هشام، 19 عام، لاعب بنادي ذوي الاحتياجات الخاصة بأسوان، لرياضة ألعاب القوى، أصبح واحدًا من 325 لاعب مسجلين بالنادي، إذ انضم منذ عام، بعد نصيحة من طبيبه الخاص، لوالدته دعاء عبدالله، بعدم بقائه في المنزل لفترات طويلة، وقتها شُخّصت حالته بالتوحد ووجود كهرباء بالمخ، وبعد عدة محاولات لانتسابه في أنشطة مختلفة مثل الرسم وكرة القدم، وقع اختياره على ألعاب القوى.
عانت والدة "عبدالله" من صعوبة التعامل مع فرط حركة ابنها، وعدم قدرته على التكيف خارج المنزل، طوال سنوات، إلا أن ممارسة الرياضة أحدثت تحولًا كبيرًا في حياته، فوفق قولها تمكن "عبدالله" من توجيه طاقته الزائدة بشكل إيجابي.
تعلق "دعاء" مُفسّرة "في البداية كان ابني يتردد في المشاركة مع زملائه في النادي، لكن بفضل دعم المدربين والمناخ الإيجابي بين اللاعبين، تمكن من الاندماج معهم بشكل كامل، وعلى الرغم من وجود ثلاثة مدربين، لا تزال هناك حاجة لزيادة عدد المدربين، لتوفير رعاية فردية أكبر لكل لاعب، وبالطبع المطلب الأهم هو تخصيص نادي بملعب خاص لذوي الهمم، دون مشاركة لاعبين من أندية أخرى معهم في نفس وقت التدريب، وذلك لمنحهم الوقت الكافي للتدريب والتطوير".
وضع أسوأ
وفيما تشكو والدة عبدالله وبقية ذوي لاعبي نادي أسوان لذوي الإعاقة من وضع أبنائهم، يُعدّ لاعبو نادي أسوان من ذوي الإعاقة الأوفر حظًا من أقرانهم في الرياضات الأخرى، والمنتسبين للنادي من المراكز الأخرى بمحافظة أسوان في كوم أمبو وإدفو ودراو.
فلا يحصل هؤلاء على فرصة مماثلة مقارنة بـ"عبدالله"، إذ يتمرنون مرتين شهريًا فقط، بسبب قلة الوقت المتاح داخل مراكز الشباب بمحل إقامتهم، ومن ناحية أخرى يمارس لاعبو مدينة إدفو السباحة فقط، فيما يتوزع لاعبو كرة الطائرة بين كوم أمبو وأسوان، وتُجرى التصفيات لاختيار عشرة لاعبين في حالة المشاركة ببطولة.
هذا التفاوت في الفرص يتعارض مع مبدأ المساواة الذي ينص عليه قانون حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة رقم (10) لسنة 2018 الخاص بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وتؤكد المادة الرابعة فيه على عدم التمييز بسبب الإعاقة أو نوعها أو جنس الشخص من ذي الإعاقة، وتأمين المساواة الفعلية في كافة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، إلى جانب تهيئة الظروف واحترام الفوارق لقبول الأشخاص ذوي الإعاقة كجزء من التنوع البشري.
أنشطة متنوعة
وعلى الرغم من التنوع الواضح في الأنشطة الرياضية التي يقدمها النادي لأعضائه من سن 10 سنوات في سبع رياضات، فبحسب عبد الفتاح سليمان، رئيس مجلس إدارة النادي، فذوو الإعاقات الذهنية يمارسون ألعاب القوى وتنس الطاولة، أما ذوو الإعاقات الحركية فيمارسون كرة القدم والطائرة والسباحة ورمي الجلة، ويلعب المكفوفون كرة الجرس.
وحصر "سليمان" إجمالي ذوي الإعاقة الذين يمارسون النشاط الرياضي بالنادي في 180 لاعب ولاعبة، أما باقي أعضاء النادي فإما غير مؤهلين لممارسة الرياضة، أو صغار السن، لكنهم يشاركون في الأنشطة الإجتماعية والثقافية الموجودة بالنادي من كورال غنائي وتحفيظ قرآن وتمثيل.
تُعدّ الرياضات السبع المتاحة داخل نادي ذوي القدرات الخاصة بأسوان جزءًا من 21 رياضة يمتلكها الاتحاد البارالمبية، ويمارسها 10 آلاف لاعب ولاعبة في مصر ومسجلون في اللجنة البارالمبية، وفقًا لبيان نشرته اللجنة في يونيو 2023.
محرومون من الدعم
وفي خطوة تعكس الالتزام الحكومي بدعم رياضة ذوي الإعاقة، نشرت وزارة الشباب والرياضة قرار الدكتور أشرف صبحي، وزير الشباب والرياضة في يونيو 2024، بصرف دعم مالي قدره 7 ملايين جنيه للجنة البارالمبية والاتحادات البارالمبية ولجان ذوي الإعاقة بالاتحادات الأولمبية المؤهلة لدورة الألعاب البارالمبية في باريس 2024.
ومع ذلك لا يزال نادي ذوي الاحتياجات الخاصة بأسوان بحاجة إلى مزيد من الدعم والاهتمام، لضمان حصول أعضائه على الفرص نفسها التي يحظى بها الرياضيون في باقي المحافظات، ورغم أن مشروع قادرون باختلاف فرع أسوان، فتح بابه لذوي الهمم منذ عام 2014، إلا أنه لم يستطيع حتى الآن، إعداد أي لاعب من لاعبيه للمشاركة في البطولات الإقليمية أو الدولية.
تُفسر هانم فتحي، مدير مكتب قادرون باختلاف بأسوان، لـ"عين الأسواني" عمل المكتب قائلة: "المكتب يمثل وزارة الشباب والرياضة كبذرة لتعليم ذوي الهمم الأنشطة المختلفة التي يقدمها المكتب، عن طريق تعليمهم الرياضات المختلفة للمشاركة في بطولات داخل مصر باسم وزارة الشباب والرياضة".
بلا اتحاد
وفيما يتعلق بالتمثيل الإقليمي والدولي، أوضحت "هانم فتحي" أن قطاع البطولات لا يتواصل فيه المكتب لتنظيم مشاركة الرياضيين، إذ تقوم الاتحادات بمخاطبة الأندية مباشرة، ونحن لا نتبع الاتحادات.
وتستطرد قائلة "لذا لا تصلنا دعوات لمشاركة لاعبينا بتلك البطولات، والحل البديل هو تقدم الرياضيون للانضمام إلى نادي يتمكن من إشراكهم في البطولات، ليبدأو مسيرتهم الرياضية وتحقيق أرقام تدفعهم للمشاركة في بطولات خارج مصر، وعلى سبيل المثال، هناك رياضيون في رياضة كرة الجرس قرروا الانضمام إلى نادي في أسوان لممارسة الرياضة وتطوير مهاراتهم".
وتعزي "هانم فتحي" عدم مشاركة أي رياضي من أسوان حتى الآن في بطولة دولية، لبُعد موقع محافظة أسوان، الذي جعلها بعيدة عن اهتمام الاتحادات في البحث عن المواهب الرياضية ودعمها، مما يؤثر بالطبع على انضمامهم للمنتخبات والمشاركة في البارالمبياد.