يعيش سعودي محمود، مزارع بقرية الرمادي قبلي في إدفو، صراعًا يوميًا مع نقص مياه الري، إذ تعاني القرية منذ سنوات من تناقص معدلات المياه الواصلة إلى أراضيها الزراعية. يبقى محمود وغيره من مزارعي القرية أغلب الوقت في حالة ترقب داخل أراضيهم ومتابعة لـ "موتور" المياه، خوفًا من أن يعطل بسبب انقطاع المياه المتكرر.
ويقع نجعا الحوش والحمّام ضمن 18 قرية ونجع يتبعون قرية الرمادي قبلي في مركز إدفو، التي تبعد عن المركز حوالي 9 كيلومترات. وتتميز القرية بتنوع زراعتها من المانجو والنخيل والكركديه، ويشتكي مزارعوها خلال السنوات الأخيرة، وخصوصًا فى فصل الصيف، من تأثير نقص مياه الري على تنوع وكمية المحصول الذي ينتجونه، وتحديدًا في منطقة "التنقورة"، الواقعة بين النجعين، وهي منطقة جبلية مرتفعة عن الأرض.
يصف محمود لـ"عين الأسواني" أزمة الخمس أفدنة التي يزرعها منذ 20 عام، ويمتلك أربعة منها، ويستأجر فدان واحد مقابل 5 آلاف جنيه سنويًا، قائلًا: "يعتمد نظام الري في المنطقة على ماكينات رفع المياه، لكن قبل عامين تحديدًا بدأت تظهر مشكلة نقص وصول المياه لري الأراضي، وأثرت على إنتاج ونمو المحاصيل الزراعية من مانجو ونخيل وبرسيم".
وتزداد عدد مرات ري المحاصيل في فصل الصيف مع ارتفاع درجات الحرارة بمحافظة أسوان، فبينما يحتاج محمود أن يروي أرضه خلال فصل الصيف كل ثلاث أيام، لا يرويها في الشتاء سوى كل 15 يومًا.
لذا يصف محمود الصيف الماضي بأنه كان موسم صعب على كل مزارعي القرى، نظرًا لاستمرار أزمة مياه الري خلاله. يقول: "منذ سنوات باتت مدة توافر مياه الري تقتصر على نصف ساعة فقط يوميًا، وقد أدى ذلك إلى جفاف المحاصيل مثل البرسيم مع قلة الإنتاجية لمحصول المانجو، في الوقت اللي كل حاجة تكلفتها تزيد من أسمدة وكيماوي وتصليح متكرر لموتور المياه".
ولم يستطع محمود خلال هذا الموسم أن يزرع أرضه كاملة، لأن المياه غير كافية للري، ولم يك هذا موقفه وحده، بل يشير إلى أن المنطقة باتت طاردة للمستثمرين، ويضيف: "لم تعد تصلح للاستصلاح، عدد ممن أعرفهم من المستثمرين يفكر حاليًا في ترك الأرض، خاصة مع قلة الإنتاجية إلى جانب تكلفة سولار ماكينات الرفع التي تستهلك حوالي صفيحتان في اليوم، يتجاوز سعر الواحدة 280 جنيه في حالة وجود مياه"، ويعلق قائلًا: "لما يكون عندك أراضي زراعية مش بتزرعها طول السنة دي أكبر خسارة".
قد نترك الأرض
يتفق إكرامي محمد مع كلام محمود. استأجر إكرامي منذ ثلاث سنوات فدان واحد لزراعته، يخصصه لزراعة اللوبيا والمانجو. كان عامه الأول جيدًا بينما بدأ تظهر لديه بوادر أزمة المياه فيما بعد.
يعلق إكرامي -الذي وصل تأجير الفدان الواحد سنويًا 6 آلاف جنيه- قائلًا: "تنقطع المياه بشكل متكرر دون توقيت محدد، فيضطر المزارع إلى الترقب بجانب موتور المياه في حالة انقطاعها، وتتعرض مواتير المياه إلى أعطال تحتاج إلى إصلاحات متكررة، في الشهر الماضي مثلًا كلفني إصلاحها 2500 جنيه، وإذا تعطلت نهائيًا قد أحتاج لشراء ماكينة جديدة بـ15 ألف جنيه، وفي ظل الخسارة التي أتعرض لها من زراعة الأرض، لم أحصل هذا العام مثلًا على مكسب جنيه واحد".
يفكر إكرامي في ترك الأرض خوفًا من تكبد خسائر جديدة، لكن نصحه مزارعون بالانتظار هذا العام أملًا في التوصل لحل المشكلة، خاصة أن الزراعة هي مهنته الوحيدة، لكن مع استمرار المشكلة لا يعرف ما مصيره العام القادم، خاصة أنه يمتلك ماشية تعتمد على زراعة البرسيم الذي جف هذا الموسم، ولم يستفد به نتيجة نقص وصول المياه إلى الأرض، إلا في دورة زراعة واحدة، بعكس المعتاد الذي اعتمد فيه على حصاد البرسيم من الأرض ثلاث دورات، وعدم نمو محصول البصل واللوبيا جيدًا.
الحل الرسمي غير مُجدي
وقد قدم حسن محمود وعدد من مزارعي القرية شكاوى للمسؤولين في محطة مياه "سلوا مستجدة" المسؤولة عن ضخ المياه للأراضي، إلى جانب الإدارات الزراعية في كلًا من أسوان وإدفو، وعلى الرغم من قيام الوحدة بإصلاح المرشح الإضافي قبل حوالي شهر، إلا أن الأزمة لم تنتهي بشكل كامل.
وتبدأ مواعيد فتح المياه للمرشح قرابة الحادية عشر ظهرًا وتنتهي في العصر، ومع ضغط الري في كافة الأراضي، لا تغطي الكمية احتياجاتهم كلها، وذلك وفقًا لثلاثة مزارعين.
ويطالب مزارعو القرية مد فترة الري إلى المغرب، حتى يتسنى لهم جميعًا ري أراضيهم. وقد تحمل مزارعي القرية حفر الترعة منذ سنوات بالجهود الذاتية، لمساعدتهم في وصول المياه إلى أراضيهم، إلا أنها تحتاج بشكل دوري إلى تأجير الجرارات لتنظيفها من الحشائش التي قد تسد مجرى المياه، وتصل تكلفة النقلة الواحدة إلى حوالي 500 جنيه وتتكرر لساعات، يتحملها أصحاب الأراضي على نفقاتهم الخاصة.
وتأثر محصول البرسيم الخاص بحسن عبد المنعم، إذ أصبحت دورة الأرض تنتج أقل من ثلاث دورات كالمعتاد، مع عدم نضج محصول اللوبيا والفلفل والمانجو بشكل جيد، رغم امتلاكه هو وأخوته ثلاث أفدنة بالمنطقة منذ فترة الثمانينات، وحصوله طوال تلك السنوات على إنتاج جيد.
ويصف عبدالمنعم قيام ادارة الري بفتح المياه فترة الظهيرة بأنه "خيار سيء" خصوصًا في محافظة أسوان، شديدة الحرارة، حيث أن "حرارة الشمس تتسبب في فقد كمية المياه" على حد قوله.
من المسؤول؟
يعتبر ميسرة قوصي، مدير إدارة إدفو الزراعية، إلى أن مشكلة نقص المياه التي يعاني منها المزارعون هي من اختصاص إدارة الري، وأوضح أن دور إدارة الزراعة يقتصر على نقل شكاوى المزارعين إلى الجهات المسؤولة عن توزيع المياه.
وأكد قوصي أنهم تواصلوا مرارًا وتكرارًا مع الجهات المختصة، التي أشارت إلى أن المشكلة تكمن في انسداد وتلوث مخرات المياه، مما يعيق وصول المياه إلى الأراضي الزراعية.
من جانب آخر ينفي المهندس حمدي سايح، مدير إدارة في محطة رفع المياه "سلوا مستجد"، مسؤولية المحطة عن نقص المياه مشيرًا إلى أنها بسبب "موقع الأراضي الزراعية في نهاية الزمام بالمنطقة، وانسداد الترعة الحشائش ومخلفات الزراعة"، وأن ذلك هو السبب في إعاقة وصول المياه للأراضي.
وألقى سايح مهمة تطهير الترعة للجمعية الزراعية التابعة للمنطقة المسؤولة عن هذا الشأن، مُوضحًا أن وجود عوائق في مجرى المياه يمنع تشغيل المحطة الاحتياطية، إذ ستؤدي هذه العوائق إلى عودة المياه إلى المحطة نفسها، وتسبب أعطالًا قد تؤدي إلى الغرق وتوقفها عن العمل.