بعد أشهر من العمل بقرار تخفيف الأحمال، توقع المصريون أن تنتهي أزمة انقطاع التيار الكهربائي التي بدأت منذ منتصف يوليو الماضي ، قبل أن يفاجئهم آخر بيان نشره مجلس الوزراء في 29 أكتوبر الماضي أعلن فيه تمديد خطة تخفيف الأحمال، وذلك بعد شكاوي تداولت عبر منصات التواصل الاجتماعي من استمرار قطع التيار الكهربائي بل وزيادة ساعاته إلى ساعتين أو أكثر فى بعض المناطق.
فى البيان؛ أرجع "سامح الخشن" المتحدث الرسمي باسم رئاسة مجلس الوزراء، تمديد الخطة إلى "الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة"، وأن هذا نتج عنه التحميل على استهلاك الغاز بكميات فاقت معدلات الاستهلاك الطبيعي، موضحًا أن قرار تخفيض الأحمال مستمر لحين عودة الحرارة إلى معدلاتها الطبيعية.
لم يكن هذا السبب مبررًا للمواطنين فى مختلف المحافظات الذين لمسوا انخفاض درجات الحرارة مع دخول شهر أكتوبر عما سبقها فى شهور سبتمبر ومن ثم أغسطس ويوليو وهما الأكثر ارتفاعًا فى الدرجات المٌسجلة، فضلًا عن أن التصريحات الحكومية المستمرة عن الأزمة لا تتحدث "بشكل واضح" عن مدى استمراريتها من عدمه بل أنها متغيرة كل فترة.
فى الانفو التالي، وفقًا لتحليل درجات الطقس العليا والصغرى التي ترصدها الهيئة العامة للأرصاد الجوية فى مصر على سبيل المثال، نجد أن هناك انخفاض درجات الحرارة بالفعل خلال شهر أكتوبر مقارنة بالشهور السابقة، وليس كما يصرّح المسؤولين لتحميل ارتفاع درجات الحرارة أزمة انقطاع الكهرباء المستمر والمتزايد.
وعبر سؤال أسر من 24 منطقة فى 6 مدن بـ 6 محافظات مصرية، اشتكى المواطنون من زيادة ساعات فصل التيار الكهربي عن الوقت المحدد، وأظهرت نتائج العينة أن 74.1% لا يتم فصل التيار الكهربي وفقاً لجدول تخفيف الأحمال المقرر سابقاً وأن 83.8% زادت لديهم عدد ساعات فصل التيار عن الوقت المحدد سابقاً، حيث أوضحوا أن متوسط عدد ساعات فصل التيار منذ بداية الأزمة تستغرق ساعة واحدة وبعد تمديد خطة تخفيف الأحمال خلال شهر أكتوبر أوضحت العينة أن متوسط ساعات الفصل وصلت لساعتين متتالية في اليوم الواحد، وأن 22.5% تعرضت أحد الأجهزة المنزلية الخاصة بهم للتلف نتيجة لانقطاع التيار.
ويشكو المواطنون من عدم إعلامهم بتصريحات محددة عن الأزمة، فعلى مدار قرابة الثلاثة أشهر، تتكرر الوعود بانتهائها مع انخفاض درجات الحرارة لكن دون تنفيذ، ففي 19 يوليو صرح محمد شاكر، وزير الكهرباء خلال مداخلة هاتفية ببرنامج "آخر النهار" الذي يقدمه الإعلامي "تامر أمين" أن إنتاج الكهرباء يعتمد على مقدار الوقود المتاح لتشغيل محطات إنتاج الطاقة الكهربية، وأكد عدم وجود أي مشكلة في محطات الكهرباء أو شبكات النقل، وأن نتيجة لارتفاع درجات الحرارة، ارتفع استهلاك الكهرباء، ما أدى إلى خفض ضغط الغاز في الشبكات الخاصة بالمحطات، ما تسبب في قلة الإنتاج، وأن الوزارة تحاول في تنوع التوزيع العادل لتخفيف الأحمال، متوقعًا انتهاء هذه الأزمة خلال نحو 3 أيام.
بينما أكد أيمن حمزة، المتحدث باسم وزارة الكهرباء، في 23 يوليو الماضي، في تصريحات تلفزيونية، أن أزمة فصل التيار هي فترة صعبة وستمر بسرعة رغم أن معدلات الاحمال بلغت أعلى درجة بلغت مايقرب من 35 ألف ميجا وات لكن لازال يوجد احتياطي وأكد أن الأزمة ستنتهي خلال أيام.
إلا أنه في 27 يوليو الماضي، أعلن الدكتور مصطفى مدبولي ،رئيس مجلس الوزراء، في مقطع فيديو نشرته رئاسة مجلس الوزراء، الاستمرار في تخفيف الأحمال بالتناوب حتى منتصف الأسبوع التالي، لتستعيد الشبكة ضغوطها من الغاز، قبل أن يتغير الوضع في تصريح المتحدث السابق لرئاسة مجلس الوزراء السفير "نادر سعد" في 29 يوليو الماضي، عبر برنامج "على مسؤوليتي" الذي يقدمه الإعلامي "أحمد موسى"، حينما قال أن موعد انقطاع التيار الكهربائي سينتهي بعد منتصف سبتمبر بعد انتهاء الموجة الحارة "غير المسبوقة".
وفي أول أغسطس، أعلن مجلس الوزراء جداول خطة تخفيف الأحمال محددة بالساعات لكل المناطق على مستوى الجمهورية، ومع توقع المواطنين أن ينتهي العمل بالجدول فى منتصف سبتمبر، امتد الأمر إلى شهر أكتوبر، وسط غموض الموقف الرسمي لسبب استمرار الانقطاع رغم تحسن درجات الحرارة.
وفي 9 أغسطس 2022 وخلال تصريحات تليفزيونية لـ "مصطفى مدبولي"، رئيس مجلس الوزراء، قال إن حقل "ظهر" أكبر حقل غاز في مصر تم اكتشافه عام 2015 استطاع أن يسد الاستهلاك المحلي من الغاز الطبيعي كما أنه يحقق وفرة تقوم الدولة بتصديرها، وصرح أن من هنا جاءت زيادة الصادرات من الغاز الطبيعي، وأشار أن أكثر من 60% من إنتاج مصر من الغاز الطبيعي يذهب إلى محطات الكهرباء لتوليد الطاقة الكهربائية التي تستخدم في المناحي الحياتية، وأن كلما أرشدنا في كميات الغاز الطبيعي التي تخدم محطات الكهرباء، كلما أصبح لدينا فرصة لتصدير جانب أكبر من هذه الثروة الطبيعية، وبالتالي جلب عملة صعبة أكثر.
وبينما نفى "مصطفى مدبولي" تفضيل الدولة تصدير الغاز الطبيعي بدلًا من توفيره لمواطنيها، موضحًا أنه عملية تصدير الغاز الطبيعي تتوقف في أشهر الصيف لزيادة حجم الاستهلاك المحلي، وأن التصدير يتم في فصول الشتاء والربيع والخريف بحيث يكون الاستهلاك محليا أقل وبالتالي يتيح تصدير الفائض من الغاز الطبيعي، صرح رئيس الجمهورية عبدالفتاح السيسي خلال مؤتمر "حكاية وطن" فى 30 سبتمبر الماضي، أن أزمة انقطاع الكهرباء المستمرة في إمكان الدولة أن توقفها، لكن أشار إلى اتجاه بيع وزارة البترول للغاز الطبيعي المتاح، حتى توفر تكاليف شراء البترول وتحويله لسولار وبنزين للاستهلاك المحلي، وأوضح أن قطع الكهرباء خلال شهر واحد يوفر للدولة 300 مليون دولار شهرياً بمعدل 108 مليار جنيه في العام.
وفي 9 أكتوبر الماضي، صرح محمد شاكر، وزير الكهرباء، خلال مؤتمر"الطاقة الخضراء استثمار" أن الوزارة نجحت فى خفض استهلاك الوقود المستخدم لتوليد الكهرباء خلال عام 2023 بنسبة بلغت 20%، وأن هذا الوفر نتيجة رفع كفاءة المحطات القديمة وإنشاء محطات جديدة بأعلى المعايير الدولية، لم يغير هذا في خطة تخفيف الأحمال بل وأدى إلى زيادة الساعات.
ومع كل التصريحات السابقة، جاء بيان مجلس الوزراء المصري في 29 أكتوبر، يوضح أسباب مختلفة عن "ارتفاع درجات الحرارة" لأسباب زيادة ساعات فصل التيار الكهربائي، وأن الزيادة في استهلاك الكهرباء من الغاز تزامنت مع انخفاض كميات الغاز الموردة من خارج مصر من 800 مليون قدم مكعب غاز يوميا إلى صفر.
وقد يوضح الأمر ما سبق وأعلنت شركة شيفرون في 10 أكتوبر الماضي، عن وقف صادرات الغاز الطبيعي بين دولة الاحتلال "إسرائيل" ومصر، وأوضحت وكالة رويترز أن قرار الشركة -المشّغلة لحقل تمار الذي يقع على بعد 24 كيلومترا غرب عسقلان، شمال قطاع غزة - يتعلق بتوريد الغاز على خلفية تصاعد الأحداث في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر الماضي، وأوضحت في تقريرها قيام الشركة بتوريد الغاز عبر خط أنابيب بديل عبر الأردن، ووجود تعليمات لوزارة الطاقة الإسرائيلية بوقف الإنتاج في منصة تمار للإنتاج جراء الوضع الأمني في جنوب الأراضي المحتلة.