مش_مجاني | صباح السبت المقبل، تقرع المدارس أجراس الحصة الأولى، وتستعد مدرجات الجامعات لاستقبال طلابها الجدد والقدامى، وقبل أن تصيح صفوف التلاميذ "صفا وانتباه"، تصطف الأسرة المصرية فى مواجهة معركة موسمية طاحنة، تختلف كثيرًا عن سابقتها فى ظل ارتفاع تشهده كل مستلزمات تجهيز أبناؤها.
يقف أولياء الأمور أمام جبهات متعددة تقصف جميعها جيوبهم في آن واحد، بداية من المصروفات الدراسية ومستلزماتها والملابس والكتب والدروس، التي تشهد جميعًا ارتفاعات متلاحقة ما بين انخفاض الجنيه وارتفاع الدولار ومآسي عمالنا فى ليبيا، ناهيك عن ارتفاع الاحتياجات المعيشية نفسها ما بين أجور وأغذية وسلع.
فى هذا الملف نرصد كل الأصوات، الطلاب وأولياء الأمور والباعة، حيث يبحث الجميع عن كيفية تدبير عبورهم لأزمة، تتصدر فيها مشهد أساسي؛ التعليم .. مش مجاني.
عندما قرر فارس الطالب بالسنة الثالثة في كلية الزراعة بجامعة أسوان والمقيم في مركز إدفو البحث مع أصدقائه عقب نهاية الامتحانات عن سكن للإقامة العام الدراسي القادم، فوجئ بارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه عن الزيادة المعتادة.
أوضح فارس لـ "عين الأسواني": "كنت وزملائي ندفع 500 جنيه للطالب الواحد حتى نهاية العام الحالي بسعر 3500 إلى 4000 جنيه للشقة وتتكون من سبعة طلاب، هذا العام وصل سعر أحد الشقق إلى 8000 جنيه، أي زيادة بنسبة 100%.
وعملية البحث عن سكن للإقامة تبدأ مع اقتراب العام الدراسي لكن مع غلاء الأسعار مازال فارس يبحث.
وصاحب الشقة يُبرر الأسعار بقيامه بالتجديدات، هكذا يضيف فارس ويقول: "في حالة رفض الزيادة يبلغنا صاحب الشقة أن المستأجر السوداني سيدفع أكثر، بعدها نجد شقة بقيمة 5000 جنيه لسكن سبعة أفراد مع تحملنا فاتورة استهلاك المياه والكهرباء، في حين الإيجار يتم بدون عقد عند الاتفاق على السكن".
ويتابع فارس: "اعتدنا على السكن في منطقة العقاد جنوب المدينة؛ لأن معظم أصدقائنا ومعارفنا يقيمون هناك وهي منطقة بها خدمات، وهناك موقف للسيارات قريب نذهب إليه ثم للجامعة، فقررنا أن نبحث عن شقق للطلاب في مناطق أخرى أرخص كالسيل والمحمودية بسعر أقل بالرغم أن تلك الخطوة ستكلفنا ركوب وسيلتيّ نقل مواصلات بدلًا من واحدة".
في نهاية بحث فارس وأصدقائه وجدوا شقة تتسع لـ 9 أفراد بـ 4500 جنيه شاملة فواتير المرافق.
لكن الأمر لم يتم، إذ فوجئوا بإلغاء صاحب الشقة التسكين؛ لأن الأسرة السودانية التي سكنت فيها فترة الإجازة قرروا تجديد العقد، يقول فارس: "لأننا لم نكتب عقدًا عاودنا البحث واخترنا شقة لستة أفراد بإيجار 5500 جنيه في الشهر غير شاملة فاتورة الكهرباء والمياه وهذا يعني أنني سأدفع أكثر من 1000 جنيه في الشهر خاصة مع فصل الصيف وارتفاع درجة الحرارة واستهلاك الكهرباء".
"ورغم ارتفاع الأسعار فالإقامة في سكن تعد أفضل من السكن الجامعي" يقول فارس، ويوضح: "يمكنني مشاركة زملائي في مكان واحد لعملية المعيشة والمذاكرة وقرب المكان من الخدمات التي نحتاجها بشكل يومي من السلع الغذائية، بالإضافة إلى أن المحاضرات تستمر لوقت طويل والمسافة بين الجامعة ومدينتي تستغرق أكثر من ساعتين وأكثر من وسيلة مواصلات".
أحلام سيد، من مركز إدفو طالبة بالفرقة الثالثة في كلية الحقوق بجامعة أسوان، انتهت من أداء الامتحانات في نهاية يونيو الماضي، ومازالت تبحث عن سكن بديل للذي كانت تقيم فيه بعد أن قرر أصحاب السكن وقف التأجير للطلاب وتسكينه للأهالي، حسب قولهم.
وتضيف: "سعر إيجار السكن للطالب الواحد كان يكلفني 500 جنيه شامل فاتورة المياه والكهرباء، وهو متوسط السعر الذي تدفعه لحجز سرير في شقة سكنية كل عام، لكن بنهاية هذا العام ارتفعت الأسعار بشكل كبير إذ تبدأ من 750 وأكثر ووصل إلى 1000 جنيه".
وترى أحلام أن أصحاب السكن يبررون الزيادة بارتفاع قيمة الدولار وإقبال السودانيين على التأجير وأنهم سيدفعون أكثر من الطلاب.
وتعتقد أحلام أن الذهاب بالقطار من الجامعة إلى مكان إقامتها بمدينة إدفو صعب، إذ يبعدها عن الجامعة ساعتين؛ والمحاضرات تبدأ من صباح اليوم حتى المساء طوال أيام الأسبوع.
في النهاية وجدت شقة أحلام بإيجار 450 جنيه في الشهر للطالب الواضح، مضافًا إليها فاتورة المياه والكهرباء، وهي شقة تسكنها مع 16 طالبة، على عكس العام الماضي إذ كانت تسكن بمبلغ 500 جنيه في شقة يسكنها 8 طالبات فقط.
وينص قانون الإيجار المصري على ضرورة قيام صاحب الشقة بإخطار قسم أو مركز الشرطة الكائن في دائرته العقار بصورة عقد الإيجار وصورة الرقم القومي للمستأجر المصري، ومن يخالف ذلك قد تصل العقوبة إلى الحبس سنة وغرامة تتراوح من 5 آلاف جنيه إلى 10 آلاف جنيه.
ووفقًا لما جاء في قانون الايجار الجديد رقم 14 لسنة 2001 فقد تم تحديد قيمة الزيادة السنوية المركبة ثابتة حيث تعادل نسبة 1% إلى 2%، ويرجع ذلك إلى تاريخ إنشاء الوحدة، ولم يقر القانون على تثبيت مدة الإيجار وقيمته، وجعل ذلك بالاتفاق بين المالك والمستأجر مع التوجيه إلى ضرورة تسجيل قيمة الإيجار ومدته في عقد الإيجار حفظًا للحقوق.
أحمد محمد، سمسار شقق سكنية للطلاب يعرض الشقق بأسعار تتراوح بين 3500 إلى 4500 جنيه وهو متوسط الأسعار السائدة بين الشقق المخصصة للطلاب.
ويوضح لـ"عين الأسواني": "أسعار الشقق اختلفت عن الماضي فوصل سعر الشقة الواحدة بين 5000 إلى 7000 جنيه، وعند الحديث مع صاحب الشقة أن المستأجرين طلاب يخبرني أن الأسعار مرتفعة والسودانيين سيدفعون أكثر، وحاليًا أواجه مشكلة لإيجاد سكن بسعر يناسب الطلاب الذين أتفق معهم".
ويعترف أحمد بأن الوضع صعب، فبعد أن يدفع الطالب الواحد إيجار سكن بين 800 لـ 900 جنيه بخلاف فاتورة المياه والكهرباء ومصروفات الكلية والغذاء سيكون الأمر صعب جدًا، موضحًا: "في نهاية شهر يوليو الجاري بحث طلاب عن سعر مناسب لشقة وقرروا تأجير شقة تتكون من 9 طلاب بـ 6750 جنيه، وفي النهاية سيضطر الطلاب لحجز الشقق بالأسعار الموجودة".
وتطرح جامعة أسوان سكنًا جامعيًا للطلاب المغتربين، وبحسب آراء عدد من الطلاب فرغم انخفاض تكلفة إيجار السكن الجامعي إلا أن الاختيار قد لا يناسب البعض، نظرًا لكثافة عدد الأَسِرَّة في الغرفة الواحدة أو لعدم وجود جهاز تكييف في ظل طقس حرارة أسوان الحار.
وتتوزع أماكن الشقق المخصصة للطلاب المغتربين في مناطق متفرقة بالمدينة؛ لأن كليات جامعة أسوان لا تقع في مكان واحد، فبعض الكليات توجد بمنطقة صحارى القريبة من منطقة العقاد جنوب المدينة، وأخرى في مدينة أسوان الجديدة، وبعضها بمنطقة النفق وأبو الريش.
وكانت تدفع "هـ. ع." الطالبة بالفرقة الثالثة في كلية التربية من مدينة إدفو خلال سنوات دراستها ايجار 600 جنيه شهريًا ثمنًا لسرير بشقة تحتوي على 4 إلى 7 طالبات، وهو العدد الذي تفضل اختيار السكن على أساسه لضمان مناخ جيد للمذاكرة، لكن مكان إقامتها بإدفو يقلل من فرصة معاينة الشقق بنفسها مثلما كانت تفعل ولتأخر إيجادها لسكن مناسب، لذا أصبحت تعتمد على صور الشقق التي يعرضها السماسرة وأصحاب السكن على الإنترنت والتي لا تكون عادة كالطبيعة.
وتضيف قائلة: "أسعار الشقق في تزايد رهيب حتى الآن، ولم أجد شقة تناسب الخدمات التي أطلبها، واستغلال حاجة الطلاب أصبحت أكثر من اللازم، وصاحب السكن يخيرنا بين قبول السعر أو ترك الشقة فهناك من يستطيع أن يدفع أكثر كالسودانيين، والشقة التي تناسب الإمكانيات التي أطلبها أصبحت تكلف 900 جنيه أو 1000 جنيه في الشهر الواحد، وإذا وجدت سعر مخفض يكون بعدد كثير من الطالبات لا يساعد على الدراسة بشكل جيد، خاصة أن هناك مساكن للطالبات كنت أنوي الانتقال إليها لكن وجدتها تحولت لسكن للسودانيين".
وأكدت: "أما فكرة الانتقال للسكن الجامعي فلا أفضلها لزيادة عدد الطالبات في الغرفة الواحدة، والسفر إلى مدينة إدفو كل يوم غير ممكن لأن المحاضرات تبدأ في الصباح وتنتهي قرابة الساعة 5 مساءً، وسيكلفني ذلك وقت ومجهود ولن يكون هناك وقت للمذاكرة".
واستطاعت "هـ. ع." بعد البحث إيجاد سكن بقيمة 500 جنيه في الشهر الواحد، في شقة تتكون من 4 طالبات، مع تحمل تكاليف فاتورة المياه والكهرباء والإنترنت، ليصل بذلك الإيجار إلى 800 جنيه بجانب المصروفات الأخرى من الطعام ومستلزمات الكلية.
وقانون الايجار الجديد لعام 1981 صدر بهدف الوقوف على حل الإشكاليات بين المالك والمستأجر وحسم قيمة الإيجار من خلال نسبة محددة وهي 7% من قيمة الأرض، مع زيادة الإيجار للعقارات غير السكنية بنسبة تتراوح بين 5% إلى 30%، ويتحدد ذلك تبعًا لعمر المنشأة.