مش_مجاني | صباح السبت المقبل، تقرع المدارس أجراس الحصة الأولى، وتستعد مدرجات الجامعات لاستقبال طلابها الجدد والقدامى، وقبل أن تصيح صفوف التلاميذ "صفا وانتباه"، تصطف الأسرة المصرية فى مواجهة معركة موسمية طاحنة، تختلف كثيرًا عن سابقتها فى ظل ارتفاع تشهده كل مستلزمات تجهيز أبناؤها.
يقف أولياء الأمور أمام جبهات متعددة تقصف جميعها جيوبهم في آن واحد، بداية من المصروفات الدراسية ومستلزماتها والملابس والكتب والدروس، التي تشهد جميعًا ارتفاعات متلاحقة ما بين انخفاض الجنيه وارتفاع الدولار ومآسي عمالنا فى ليبيا، ناهيك عن ارتفاع الاحتياجات المعيشية نفسها ما بين أجور وأغذية وسلع.
فى هذا الملف نرصد كل الأصوات، الطلاب وأولياء الأمور والباعة، حيث يبحث الجميع عن كيفية تدبير عبورهم لأزمة، تتصدر فيها مشهد أساسي؛ التعليم .. مش مجاني.
تبدو رقية حلمي، 19 عامًا، قلقة على مستقبلها الجامعي منذ دفعتها الحرب الروسية الأوكرانية إلى إنهاء عامها الجامعي الثاني في كلية الهندسة بجامعة سامارا الروسية والعودة إلى مصر، بعد صدور قرار المجلس الأعلى للجامعات المنظم لإجراءات تحويل الطلاب الدارسين في روسيا وأوكرانيا والسودان إلى الجامعات الخاصة والأهلية المصرية في مايو الماضي.
وفي حين بدأ أقرانها في الجامعات الروسية عامهم التعليمي منتصف سبتمبر الجاري، لازالت رقية حائرة قبل أيام من بداية العام الدراسي 30 سبتمبر في مصر، والذي تستعد فيه للالتحاق بجامعة الدلتا.
وترى رقية أن قرار "الأعلى للجامعات" يمثل فرصة يصعب عدم استغلالها، فقد كرهت الغربة والابتعاد عن الأهل، كما عانت من ارتفاع تكلفة المعيشة في روسيا بما يفوق قدراتها وأسرتها المادية.
وخاضت رحلة طويلة للتحويل إلى الجامعة الأهلية، وغرقت في إجراءات وتقديمات وأوراق، ليست وحدها بل أيضًا الكثير من الطلاب المحولين، لكن يبدو أن نصيبها من القلق لم ينته بعد، فلا تزال رقية وطلاب آخرين لم يتسلموا الرد النهائي بالقبول من عدمه، رغم تحققها من إتمام وصحة تسجيلها على الموقع الالكتروني للجامعات المصرية تمهيدًا لتسليم الأوراق.
تقول: "رحلتي في إنهاء كل الأوراق المطلوبة صعبة جدًا، فالجامعات الروسية مارست ضدنا تعنتًا واضحًا لاستخراج كل الأوراق المطلوبة للتحويل مثل إثبات القيد والمحتوى العلمي؛ ولذا تقدمنا بشكاوى إلى المجلس الأعلى للجامعات في روسيا وأضعنا أسابيع حتى استخرجنا كل الأوراق.. لكن الصعب لم ينته".
وعندما عادت رقية إلى مصر، فوجئت بضغط شديد على القنصليات ومكاتب السفارات لتوثيق الأوراق الجامعية، تقول: "التوثيق يستغرق مدة تصل إلى شهر ونصف، والجامعات الأهلية حددت مهلة أسبوع فقط لتسليم الأوراق بدلًا من ثلاثة شهور، وإلا سيخضع الطالب لامتحان تحديد مستوى "كان موعده 27 أغسطس الماضي" قبل قبوله في الجامعة، كل هذا أشاع الفزع والتوتر بيننا".
بين مشاهد رحلة التحويل لازالت تتذكر رقية والدة طالبة تبكي أمام الجامعة وهي ترجو الموظفين تمديد مهلة التحويل؛ لأن ابنتها لم تعد بعد من الخارج، تضيف: "تخيلت للحظة أسرتي في هذا المشهد وهم يخوضون رحلة كعب داير على الجامعات".
ويُقدر عدد الطلاب المصريين الدارسين في الخارج بنحو 27 ألف طالب.
وقضى الطالب أحمد عبدالفتاح والمقيد بالفرقة الثالثة في كلية الطب البشري في جامعة ريازان في روسيا والمحول إلى جامعة ميريت في مصر رحلة عصيبة تنقل فيها بين ثلاث محافظات، وطرق أبواب ثلاثة مكاتب تصديق وتوثيق تابعة لوزارة الخارجية في القاهرة وبورسعيد، بالإضافة إلى مدينة الغردقة في محافظة البحر الأحمر حيث مقر القنصلية الروسية لتوثيق أوراقه الجامعية.
وقال خلال تواصلنا معه عبر حسابه عبر "فيس بوك": "اضطررت إلى السفر ساعات طويلة جدًا؛ لتوثيق الأوراق قبل الموعد النهائي للتقديم".
كما نشر صورته عبر الحساب لتوضيح مدى الإرهاق النفسي والجسدي الذي تعرض له وقال: "الواحد قرب يتجنن من الهبل اللي احنا فيه"، حسب تعبيره.
وأضاف: "قدمنا أوراقنا إلى المكتب المختص بالتحويل والذي لم يستطع موظفوه إنهاء الورق في الموعد المحدد وتكلفنا مبالغ كبيرة، سافرت إلى القاهرة أكثر من ثلاث مرات؛ لتوثيق ورقي بنفسي والحصول على موعد دخول من القنصلية، وقضيت الليل إلى النهار واقفًا أمام بابها ولم يُسمح لي بالدخول أيضًا".
بعد ضياع وقت عبدالفتاح ومحاولاته التوثيق دون جدوى لم يجد حلًا سوى السفر 8 ساعات إلى الغردقة في يوم واحد ذهابًا وعودة للقاهرة لتوثيق أوراقه، يقول: "مكتب تصديقات وزارة الخارجية في منطقة المهندسين بمحافظة الجيزة رفض التصديق على الأوراق، وطلب ختم صحة ترجمة، على الرغم من أن الورق مختوم بالأساس ختم ترجمة "نتاريوس" صحة ترجمة في روسيا، وأيضًا مكتب توثيق وزارة الخارجية في الميريلاند في منطقة مصر الجديدة رفض التصديق أيضًا على توثيق قنصلية روسيا في الغردقة، وفي النهاية لم نستطع التوثيق سوى من خلال مكتب التصديقات بوزارة الخارجية في محافظة بورسعيد".
انتهى أخيرًا أحمد من رحلة التوثيق، ثم ترامى إلى مسامعه أن قنصلية الغردقة أصبحت تُصدق على الورقة الواحدة بقيمة 400 جنيه، أي أن ملف من 30 ورقة يتكلف 12 ألف جنيه!، مضيفًا: "قرأت أيضًا أن قنصلية القاهرة والإسكندرية حددا نفس السعر".
صار عبدالفتاح خبيرًا بطرق التحويل بين الجامعات المصرية والروسية، وقال: "رحلة التوثيق في مصر صعبة جدًا، الكل مُشتت بسبب عدم الرد النهائي وفوجئنا بجامعات تطلب تأدية امتحان قبل القبول بعدما أخبرونا عدم الحاجة له، الأمر كله مربك، وحذرت طلاب وزملائي ألا يقومون بسحب أوراقهم بشكل رسمي أو الانفصال عن الجامعات الروسية حتى وصول إخطار تأكيد التحويل".
وتهلل وجه ريناد محمد فرحًا، حين صدرت القرارات الجامعية بالتحويل، إذ أخيرًا ستقضي أعوامها الجامعية في أحضان الأسرة، بعد عامين قضتهما في غربة وصلت فيهما إلى الفرقة الثانية بكلية الطب البشري جامعة استراخان في روسيا، قبل أن تقرر التحويل بعد القرارات إلى جامعة حورس في مصر.
هذا التحويل غيّب كل مشاعر البهجة، إذ سقطت ريناد في دوامة من التوتر بسبب قرارات وصفتها بالمتناقضة يُطبق بعضها والآخر لا، تقول: "طوال الوقت نحن حيارى، ولا تجد مجموعة على مواقع التواصل الاجتماعي تخص الطلاب العرب إلا وبها ألف سؤال، لا أحد يدري معنى كلمة مقاصة، ولا نعرف كيف ستجري الأمور ولم يتبق على بداية الدراسة سوى أيام".
وأضافت: "أخبرتنا الجامعة أثناء تسليم الأوراق أننا لن نجري امتحان تحديد مستوى وسيتم تحويلنا مباشرة إليها، ثم بعد أسابيع وقبل الامتحان فوجئنا بالجامعة تخبرنا بضرورة تسديد ثمن دخول الامتحان!، وقال لنا الموظفون أن وزارة التعليم العالي أخطرتهم بذلك ولا دخل لهم في الأمر".
لم تجد ريناد مفرًا من دخول الامتحان في 27 أغسطس الماضي، تقول: "لم يصلني حتى الآن أية نتيجة عن امتحاني أو مقاصة تحديد المستوى الدراسي".
ورغم اقتراب موعد بداية العام الدراسي، لا يعلم علي محمد مصيره، فهو مُقيد بالفرقة الثالثة في كلية طب الأسنان بجامعة أوريول ومحول إلى جامعة الدلتا في مصر، يقول في يأس: "بعض الجامعات لم ترد على مقاصاتنا.. لا نعرف على أية مرحلة دراسية سننزل.. وهل سيكون هناك "سمر كورس" ترم صيفي لطلاب المراحل العملية، كل هذا يهدد راحتنا ويدخلنا في تشتت كبير، الدراسة في روسيا بدأت بالفعل ونحن لازلنا حتى الآن في مرحلة لا نعلم متى تنتهي.. هل نعود أم نبقى حتى أجل غير معلوم؟".
واضطرت مرام متولي إلى دخول امتحان معادلة؛ لأنه رغم التحاقها بالفرقة الأولى في كلية الطب البشري بجامعة تامبوف في روسيا إلا أنه يجب أن تجري هذا الامتحان للتحويل إلى جامعة حورس في مصر، ولازالت مرام تشعر بالتشتت والفروق بين المواد العلمية المدروسة في مصر وروسيا، ولا تجد إجابات عن أسئلتها من أحد ما، تضيف: "حتى الجامعات لا علم لديها.. الكل يجتهد لكن لا معلومات مؤكدة".
وستعيد دنيا فاضل، الطالبة بالفرقة الأولى في جامعة فولغوغراد بروسيا السنة مرة أخرى في جامعة حورس في مصر، توضح: "وصلني الرد النهائي من الجامعة 15 سبتمبر بالقبول لكن على الفرقة الأولى، وبالتالي لا يعتد بالمقاصة العلمية ولا بالسنة التحضيرية والأولى في الطب البشري بروسيا".
تشعر فاضل بالاستياء الشديد من رد الجامعة، وتضيف: "المقاصة غير مرضية لي، أنا متوترة، ولا يمكنني في مواجهة ذلك العودة إلى روسيا مرة أخرى؛ لأننا عدنا إلى مصر سريعًا دون ترتيب كل أمورنا في روسيا، خاصة والجامعات هناك اتخذت إجراءات بفصل الطلاب المتغيبين منذ بداية العام بالفعل".