“مش هقدر أشتري الأكل بأسعاره الحالية".. بطاقة "التموين" لم تعد تكفي

تصوير: صورة تعبيرية

كتب/ت مؤمن مسعد
2023-02-20 00:00:00

“أنا ربة منزل، أسرتي مكونة من خمسة أفراد؛ أنا والأب والثلاث أولاد، بعد الارتفاع الأخير في كل السلع شعرت أن قيمة راتب زوجي انخفضت إلى نصفه، ,جميع السلع الغذائية الأساسية سعرها ارتفع بشكل كبير ولم يزداد المرتب في المقابل".

تصمت السيدة الخمسينية "ح.ب" للحظات، وتُكمل حديث يكسوه الحزن: "التموين مهم لنا، دخلنا المادي مش كبير عشان أقدر أشتري كل حاجتي بأسعار السوق الحالية، لكن المشكلة إن أسعار السلع في التموين نفسها زادت، فالكمية اللي كنت بحصل عليها زمان ومعتمدة عليها قلت النصف تقريبًا، وفيه سلع لم تعد متوفرة، وفيه سلع متوفرة بجودة قليلة".

تشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والاحصاء أن التضخم وصل في يناير الماضي إلى 25.8% على أساس سنوي، وهو أعلى مستوى له منذ 2017، وهو ما يفسر تقريبًا حالة الارتفاع الكبير الذي شهدتها السلع الغذائية في مصر في الشهور الأخيرة، ولم تسلم منها السلع التموينية، فرغم أن أسعارها تظل أقل من السلع المتوفرة خارج البطاقة، إلا أن الزيادة التي اضطرت الحكومة أن تفعّلها فيها أدت إلى خفض الكمية التي كانت الأسر تعتاد الحصول عليها في السابق.

إنفوجراف

وتبعًا لذلك، باتت الأسر مضطرة إلى شراء باقي احتياجاتها من السلع الأساسية بأسعار السوق الاستهلاكية التي تبلغ أضعاف قيمة القيمة المحددة للسلع المتوفرة في منافذ التموين تقريبًا.

وللتعايش مع هذه الظروف، بدأت أسرة “ح” في اتخاذ عدة اجراءات، تقول: "استبدلت اللحوم البلدي إلى المجمدة من المنافذ الحكومية فهي أقل سعرًا من باقي السوق، وقللت الكمية اللي بشتريها شهريًا من اللحوم عمومًا، فبدلًا من 5 فرخات بجيب فرختين، وتوقفت عن شراء سلع أخرى مثل البيض لأنها ارتفعت بشكل مبالغ فيه ومش هقدر عليه، وأصبحنا نميل أكتر للعدس الأصفر والكشري، سعره أقل وبيشبّع، وبالنسبة للأرز بدأت استبدله بالخبز والمكرونة".

وتابعت: "كل منافذ التموين في بورسعيد تعتمد على نفس المنتجات وهناك أوقات لا تتوافر بعضها في منفذ واحد مما يجعلنا نلجأ للبحث عن منافذ أخرى، منذ ستة أشهر كنا نحصل على 9 زجاجات زيت ولكن الآن باتوا أربعة فقط 750 جم".

وتبرر "ح" أن هذه الكمية لا تكفي الأسرة التي باتت أكلها يعتمد أكثر على الأطعمة التي تحتاج إلى زيت كثير، حتى وإن كانت غير صحية، لكنها مشبعة. تقول: "ما نحتاجه نشتريه من السوق، وهو أنواع أخرى غالية جدًا".

تخشى "ح" من استمرار ارتفاع الأسعار في ظل ثبات راتب زوجها مما يهددها حتى في كفاية سلع أساسية كانت تعتمد عليها في غذاء أسرتها، وكانت البطاقة تسدها قبل ذلك. تقول: "يعني على الأقل أضمن الأرز أو المكرونة والزيت أو السمن والسكر، أما الصابون ومسحوق الغسيل والصلصة، فأغلب الوقت مش بتكون متوفرة أساسًا، وعمومًا المبلغ نفسه مش هيكفّيها".

ورغم محاولة الحكومة المصرية تخفيف أزمة زيادة أسعار السلع عبر إقرار زيادة الدعم على بطاقة التموين بداية من سبتمبر الماضي ومن المقرر أن تستمر حتى يونيو المقبل، إلا أن نسبة الزيادة في أسعار السلع بداية من نوفمبر الماضي مع الانخفاض المستمر في قيمة الجنيه المصري، ابتلعت زيادة الدعم بالكامل، وانعكست كذلك على توافر السلع وجودتها.

كان القرار زيادة قيمة الدعم للأسرة الواحدة 100 جنيه، ترتفع إلى 200 جنيه حال وجود أسرتين في البطاقة، و300 إذا كانوا أكثر من ذلك، وذلك إضافة إلى القيمة الأساسية للدعم التي تبلغ 50 جنيهًا للفرد بحد أقصى أربعة أفراد في البطاقة التموينية الواحدة، و25 جنيه حال إضافة فرد خامس، وهي القيمة المقررة للدعم منذ يوليو 2017.

تقول "ح" أن أسرتها لم تحصل على هذه الزيادة، تضيف:”قدمنا تظلم بالأوراق المطلوبة لمكتب التموين ولكن أبلغونا أن تحديث القوائم لم يأت بعد".

وتُظهر بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الشهرية  أن ارتفاع  أسعار أسعار الغذاء سجل 48%، موضحًا أن الزيادة بلغت في مجموعة الحبوب والخبز 6.6%، ومجموعة اللحوم والدواجن 20.6%، ومجموعة الأسماك والمأكولات البحرية 9.4%، ومجموعة الألبان والجبن والبيض 10.3%، ومجموعة الزيوت والدهون 7.8%، ومجموعة الفاكهة بنسبة 3.8%.

وتحاول المنافذ التي تفتتحها الحكومة المصرية في المحافظات فتح سبلًا جديدة للمواطنين لشراء سلع تُعرض أحيانًا بسعر أقل من الخارج، إلا أنها في النهاية تواجه أزمة عدم مواكبة زيادة الرواتب لحجم الزيادة التي حدثت لهذه السلع.

أمام أحد منافذ التموين، وقف (إبراهيم 35 عامًا)، يتحدث مع زوجته عبر الهاتف ليكون همزة الوصل بينها وبين البائع: "هل اللبن البودر متوفر هذا الشهر؟ هل هناك أخبار عن الدعم الإضافي؟ هل يمكننا أن نستبدل أكياس الأرز؟ هل يوجد سلع أخرى يمكنني الحصول عليها؟"، لم يكن لدى البائع ردًا سوى تكرار كلمة لأ، حتى تحول حديث إبراهيم من السؤال إلى إلقاء اللوم عليه، وغضب الأخير ودفاعه عن نفسه.

يتقاضى إبراهيم ثلاث آلاف شهريًا، بينما يقول أنه يحتاج إلى ضعفها فقط ليكفي الطعام الذي تحتاجه أسرته، هذا غير باقي مصروفاته من ايجار ومواصلات وعلاج، و يضيف: "لا حديث أصلًا عن الترفيه”.

"الأسرة محتاجة 10 آلاف جنيه عشان تعيش كويس، طيب أعمل ايه؟"، يعلق ابراهيم.

بالنسبة لابراهيم، فالبطاقة من المفترض أنها توفر للأسر ذات الدخل المنخفض ما يكفيها من السلع الأساسية على الأقل، بحيث أنها لا تحتاج لشراؤها من الخارج، ففي النهاية هذا الدعم موجه في الأساس للمواطنين على أساس تدني دخولهم الاقتصادية.

يضيف: "لم أعد أتحمل أن أستمع أو اقرأ الأخبار حتى أنني أصبح لدي خوف من مواقع التواصل الإجتماعي الذي لا يمضي يومًا واحدًا دون نشر خبر عن زيادة الأسعار حتى قبل الزيادة بأيام".

كان الحديث مع "ح" و "ابراهيم" متشابهًا تقريبًا مع أسر أخرى، تتكرر فيه ترديد "الخوف" من زيادات متلاحقة لا توازيها دخولهم الشهرية.