تتحول أسواق بني خلاد يوميًا في الرابعة عصرًا، إلى حلبة سباق، يتنافس فيها المواطنون على اللحاق بمقدمة الطابور الذي جائزته الحصول على علبتين من الحليب، أما الخاسر فيقف في نهاية الطابور، ويواجه المجازفة بنفاذ علب الحليب عندما يحل دوره في الشراء.
بعد الوقوف طويلًا في الطابور المتكدس، لشراء علبة حليب لأسرتها، صُدمت "نبيهة عيّاد" من أن الكمية المخصصة للبيع في ذلك اليوم قد نفذت، وأن عليها تكرار الوقوف في الطابور الطويل مجددًا في اليوم التالي، الذي قد تتعرض فيه لنفس الموقف المحبط، فلا ضمانة لأن تحصل على نصيبها من الحليب غدًا، والزحام طال جميع المحال، وأصبح لا مفر منه.
تقول نبيهة، 46 عامًا، أم لثلاثة أطفال، لـ"المشعل": "الوضع المعيشي في بني خلاد أصبح لا يطاق، إلى متى سنخوض هذه المعركة اليومية، للحصول على السلع الرئيسية؟".
طرحت "نبيهة" السؤال الذي يردده كل مواطني بني خلاد، منذ شهر أكتوبر الماضي، عندما بدأت أزمة نقص السلع الغذائية في مختلف متاجر تونس، فقد أعلنت منافذ البيع عن عدم امتلاكها لكميات كافية من السلع الغذائية الأساسية، لذلك حددت حصة شرائية معينة لكل مواطن، لا يُسمح له بالزيادة عنها.
من بين جميع السلع الناقصة في منافذ البيع، كان الحليب هو الأكثر صعوبة في الشراء، فالمتاجر لا تبيع أكثر من علبتيّ حليب للشخص الواحد، وأحيانًا لا تتوافر العلب في منافذ البيع من الأساس.
تتوافر بدائل الحليب في الأسواق، ولكنها أغلى سعرًا، مما جعل المواطنين يتهمون الشركات الكبرى بالاحتكار، وإخفاء جزء من إنتاجها لإجبار الناس على شراء بديل الحليب الأغلى.
لا تستطيع نبيهة شراء علب الحليب البديلة، أو الذهاب للسوق يوميًا، والوقوف في طابور الحليب أمام منافذ البيع، فذلك يمثل عبئا إضافيًاعليها، خاصة وأن كل سلعة أصبح لها طابورها المخصص لها.
توضح "نبيهة": "في أوقات كثيرة، وبعد الوقوف في الطابور الطويل، لا أجد سوى الحليب نصف الدسم الذي يبلغ سعره 2.890 دينارًا، وأنا أريد شراء الحليب كامل الدسم ذو الـ 2.350 دينارًا".
كان يبلغ سعر زجاجة الحليب كامل الدسم في السابق 1.750 دينارًا، ليصبح سعرها الآن 2.350 دينارًا، في حين كان يبلغ سعر زجاجة الحليب نصف الدسم 2.150 دينارًا، ليصبح سعرها الآن 2.890 دينارًا.
"بدأت أزمة نقص الحليب في الأسواق، عندما ارتفعت أسعار الأعلاف، فلم يعد مربي المواشي قادرًا على توفير الغذاء اللازم للماشية، وبالتالي قل إنتاج الأبقار للحليب"، هذا ما قاله البشير عون الله، رئيس اتحاد الفلاحين لـ"المشعل".
تذهب "غادة محمود" في الساعة 3.30 عصرًا يوميًا، إلى منافذ البيع لتقف في الطابور المتكدس، حتى تستطيع تأمين علب الحليب لطفلها الرضيع، الذي يحتاج 6 علبًا منه أسبوعيًا، مما يجعلها تطلب من أفراد أسرتها مساعدتها في توفير الكمية اللازمة لتغطية احتياجاتها.
تقول "غادة": "أتمنى أن تتدخل الدولة سريعًا، لإنهاء أزمة احتكار الشركات الكبرى للحليب، فالمواطن يعاني، أصبحنا نكافح للحصول على ضروريات حياتنا اليومية، فأحيانًا بعد وقوفنا في الطابور الطويل، لا نجد كميات كبيرة من الحليب، فتصبح حصتنا منه علبة واحدة فقط، بدلًا من علبتين، وأحيانًا نجد أن الكمية قد نفذت، ولا نحصل على أي شيء".
لا تعاني "غادة" وحدها من أزمة طوابير الحليب الطويلة، ففي التاسعة صباحًا، يذهب "الصحبي عبد الله"، 40 عامًا، عامل، إلى المتاجر الكبرى، وذلك لأنه يذهب إلى متجرين مختلفين، للحصول على علبتين من الحليب من كل واحد منهما، فهو يوفر الحليب اللازم لزوجته الحامل، ولوالدته المسنة أيضًا، ولا يوجد من ينوب عنه في شراء احتياجات المنزلين، ولن يتحمل راتبه المحدود شراء علب الحليب مرة واحدة، بسبب بدائل زجاجات الحليب مرتفعة السعر.
حاولت الدولة حل أزمة نقص الحليب، فقام رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد، في الخامس من شهر ديسمبر الماضي، بزيارة غير معلنة إلى مصنع الحليب بسليمان في ولاية نابل، وهو المصنع الوحيد الذي يوزع الحليب على مستوى الولاية، ليجد أن إنتاج المصنع كافيًا، لتغطية احتياجات جميع المواطنين، إلا أن المحتكرين يمنعون وصول المنتج إلى الأسواق بأسعار مناسبة.
وأكد الرئيس التونسي وقتها على ضرورة مكافحة الاحتكار، وتعديل الأوضاع الشرائية في نابل، لتلبية جميع احتياجات المواطنين، ولكن حتى الآن، مازال الوضع كما هو عليه، فلم تقم الدولة بأي خطوة فعلية لوقف احتكار الشركات للحليب.