كيف قضى أقباط سوهاج شهر رمضان؟

تصوير: جومانا سريان - من الإفطار الجماعي في مدرسة بلصفورة

في قرية بلصفورة التي تبعد عن مدينة سوهاج حوالي ربع ساعة، اعتاد عاطف فتحي، مدير مدرسة بلصفورة الإعدادية بنين، تنظيم إفطار جماعي سنوي يجمع فيه كل عاملي المدرسة لتناول الإفطار سويًا؛ فشهر رمضان -وفقًا له - يعني له أشياء كثيرة مرتبط بها منذ الصغر مثل اللعب مع الأطفال ومشاهدة مسلسلات رمضان، وتعلقه ببعض البرامج للفنان فؤاد المهندس والفنانة شويكار، بالإضافة إلى العزومات التى تكثر في شهر رمضان بين الأحباب فيقول "العزومات متبادلة بيني وبين أصدقائي المسلمين طوال الشهر".

وينظم فتحي ذلك الإفطار السنوي منذ 10 سنوات، بإستثناء فترة كورونا التي توقف فيها كحال باقي التجمعات الكبيرة، وبينما هو يقود التنظيم إلّا أن اليوم نفسه يكون نتاج تشارك الجميع في تقسيم الأدوار لإعداد الطعام وطهيه حتى موعد الإفطار. يعلق قائلًا: "هذا اليوم يمثل ذكرى جميلة ننتظرها كل عام، يجتمع فيها الجميع بغض النظر عن اختلاف الديانة، بل أن هذا العام يعتبر مختلفًا إذ يتزامن صوم المسلمين مع الصوم الكبير للأقباط مما يخلق جوًا من البركة والروحانيات للجميع”.

يشير فتحي إلى إنه بسبب غلاء الأسعار هذا العام لم يجتمعوا غير مرة واحدة فقط طوال الشهر، ويضيف: “اعتدنا على تنفيذ هذه الفكرة طوال السنوات الماضية أكثر من مرة خلال الشهر، ففي العام الماضي نفذنا هذا اليوم مرتين وفي الأعوام الماضية كنا ننفذه 5 مرات، ولكنني كنت حريص هذا العام على عدم قطع العادة؛ فغلاء الأسعار لم يمنعنا عن تنفيذ الإفطار ولا حتى تقليل كمية الطعام والشراب المقدم، ولكن لجأنا إلى فكرة المبادرات الفردية فكل فرد منا قدّم بعض المشروبات والمساعدات لتنفيذ الإفطار، ويستطرد بقوله إن فكرة الإفطار هي مبادرة تعاونية تجمع شمل جميع أعضاء المدرسة في جو يملؤه الحب والتعاون، كما سأحرص على عدم قطع العادة في الأعوام القادمة مهما كانت التحديات”.

ويستكمل حديثه: "لسنا نحن فقط من ننظم فكرة الإفطار الجماعي؛ فهي ليست مبادرة نادرة، العزومات فكرة متأصلة في الشعب المصري منذ القدم، ولكن هذه المبادرات من الممكن أن تكون منتشرة أكثر في الأماكن الشعبية، ولكن لم يسلط عليها الضوء”.

الصحبة الجميلة

مجدي حليم، أحد المعلمين المساهمين بالتنظيم، يقول: "بالرغم من خروجي على المعاش إلا أني أحرص على حضور الإفطار الذي تنظمه المدرسة كل عام، فأجواء التحضير والتنظيم الذي نعيشها مع بعضنا أهم من الإفطار نفسه، فنحن الأقباط هذا العام صائمون الصوم الكبير الذي يمنع فيه تناول اللحوم إلا أننا حرصنا على الحضور، لأن اللمّة والصحبة الجميلة والوقت الذي نقضيه سويًا أفضل من أي شيء".

يستطرد حليم في حديثه أن الشيف المسؤول عن طهي الطعام أحد المعلمين بالمدرسة كما هو المسئول عن توزيع المهام على باقي الزملاء، ويشرح أن سر ترابطهم هو الوقت الذي عاشوه سويًا داخل المدرسة أثناء هذه الأجواء التي يحرصون عليها.

أما بالنسبة لتخطيط اليوم، فيذكر أن الاستعداد يكون قبلها بحوالي 4 أو 5 أيام للاتفاق على اليوم وغالبًا يكون في منتصف الشهر، كما يضم الإفطار الأفراد العاملة بالمدرسة سواء الحالية أو التي خرجت على المعاش، وبعض أولياء الأمور من القرية الذين لهم دور وتفاعل مع المدرسة.

رمضان جابر، اختصاصي اجتماعي بالمدرسة، وهو المسئول عن طهي الطعام كل عام منذ 20 عام، يقول: "أشعر بالسعادة البالغة حينما أري وأسمع الصائمين يمدحون في الطعام الذي قُدّم على الإفطار، أما عن التجهيزات للأفطار علّق رمضان "نقوم بإحضار الطعام قبل اليوم المتفق عليه لتنفيذ الإفطار بيوم واحد، أما بالنسبة لطهي الطعام يستغرق حوالي 5 ساعات لإعداد أصناف الطعام المختلفة بكميات تكفي جميع الحاضرين".

رمضان حاجة تانية

ولا تحمل هذه المبادرة الموجودة داخل إحدى قرى سوهاج وحدها هذه المشاعر فقط، فيقول كيرلس نبيل 20 عامًا من مدينة سوهاج، "منذ كنت في سن الحادية عشر تعودت على صيام شهر رمضان مشاركة ومحبة لأخواتي وجيراني المسلمين الذين تربيت وسطهم، فكان من الضروري يوميًا قبل اّذان المغرب تجهيز المشروبات وأكياس البلح لتوزيعها على الصائمين في الشوارع، ثم العودة إلى المنزل لتناول الإفطار".

يُكمل نبيل بقوله: "بعدها اعتادنا على التجمع لمشاهدة مسلسلات رمضان وبرامج المقالب،كما اعتادنا علي تناول الحلويات الرمضانية كالكنافة والقطايف وصوابع زينب ورموش الست والزلابية والبقلاوة، كما كنت أنتظر وقت السحور مع جيراني في الشارع، فكنت أقضي الوقت معهم حتى وقت السحور ولرؤية المسحراتي الذي كان ينادي علينا كل فرد باسمه حتى نجهز للسحور".

ويتذكر نبيل أنه قبل مجيء رمضان أثناء طفولتى وقتها لم تنتشر منصات الإنترنت لمشاهدة المسلسلات والبرامج الرمضانية في أي وقت، "كنا نستعد لمشاهدة أفيشات المسلسلات التي ستعرض أثناء رمضان وندونها في ورقة بأسماء المسلسلات التي كنا نتوقع أنها ستكون جيدة، بمواعيد عرضها لمتابعتها أثناء شهر رمضان".

ويعبر الشاب عن مدى حبه للوقت الذي يبدأ فيه الجيران لتجميع مبلغ الزينة لتزيين الشوارع، "كان أجمل وقت بالنسبة ليا، كنت أشعر أن شهر رمضان مثل عريس ننتظر قدومه طوال العام ويوم رؤية الهلال ليلة فرحه".

ويستكمل حديثه، فيقول إن العزومات عادة أساسية في شهر رمضان، وطبق الحلويات "اللي بيفضل يتبدل بين الجيران طول الشهر لغايت ما يتنسي مين صاحب الطبق"، فشهر رمضان مليء بالمشاعر الطيبة.

تنتظر مريم شحاتة 29 عامًا من مدينة سوهاج، شهر رمضان بفارغ الصبر، فقد اعتادت علي طبق الحلويات التى تعده لها جارتها "أم محمود " كل عام قبل موعد الإفطار، بالإضافة إلى بعض الأكلات المختلفة، وبعد الإفطار تبدأ جلسات السمر بينهن لتبادل الحديث، كما كانت تحرص على الذهاب معها لشراء ملابس العيد وتجهيز خبيز العيد.

تقول مارفل نشأت، 16 عامًا من مدينة سوهاج، أنتظر رمضان كل عام لمشاهدة الزينة الرمضانية التي تزين الشوارع، وتعطي بهجة وسعادة على النفس، كما أحرص على شراء القطايف والكنافة ومشاهدة المسلسلات التي تذاع في رمضان.