أنا و حرف "الراء"

تصميم: باسم حنيجل

كتب/ت رحمة أشرف
2023-10-27 00:00:00

منذ طفولتي وأنا أواجه ضغطًا من المجتمع؛ بسبب أشياء لا يد لي فيها، فمثلًا تعرضت لمشاكل أثناء الحديث، حيث يكتشف المستمع تعثري في نطق حرف "الراء"، حينها يتغير الوضع وتبدأ التفرقة في التعامل.

في المدرسة كانت معلمتي تشعرني أن هذه المشكلة في نطق هذا الحرف عيب خلقي، يبدأ الأمر بالمزاح، وينتهي باستبعادي من التقديم في الإذاعة المدرسية، على الرغم أنني كنت أفضل من باقي الطالبات وأكثرهن موهبة، لكن المعلمة تفضل الناطقات لجميع الحروف بلا مشاكل.
بدأت معلمتي رحلة شاقة للبحث عن فقرة صغيرة أو بيت شعر يخلو من حرف الراء؛ لكي أقدمه في الإذاعة المدرسية دون جدوى.

استبعادي من الإذاعة طالني في المشاركة بمسابقات الشعر، كانت شروط المسابقة تنص على تمتع المتسابق بمخارج نطق صحيحة للحروف، ورغم موهبتي في إلقاء الشعر، كان السؤال يدور في ذهني.. لماذا هذه الشروط؟.. أليست ظالمة للطلاب ممن يواجهون مشكلة في نطق حرف ما؟

مشكلة الراء مبالغ فيها، وهي أدت بي إلى قلة في الثقة بالنفس، رأيتني أشعر أنني أقل من الجميع وأنني أعاني من عيب خلقي.

في عمر الخامسة كنت أشكو من صعوبة نطق الراء، على عكس شقيقتي التوأم في البداية، وكان التفكير في هذا السن.. كيف يمكنني تكرار نطق الحرف دون تعليقات من أحد ما؟

وعندما التحقت بالصف الأول الابتدائي كان هذا بداية لعالم جديد، لكن أصبحت اللثغة أو اللدغة الرائية لعنة تلاحقني أينما كنت، امتدت المشكلة إلى الدراسة، ففي درس الإملاء حين أنطق الحروف قبل كتابتها أصل إلى حرف "الراء" أكتبه بطريقة خاطئة بسبب نطقي المختلف، مما أثر على درجاتي الدراسية في مادة اللغة العربية.

اللثغة صارت مشكلة مصيرية، وعليّ تقبلها، فهي أكبر العوائق التي تواجهني، حسبما وصلني من رد فعل الآخرين.

في مرة اقترحت صديقة على والدتي علاجي من مشكلة نطق "الراء"، حينها فقدت ثقتي في نفسي، وشعرت أن وجودي احتياطي، ولا رأي لي، ولازالت آثار هذه المعاناة باقية في ذاكرتي حتى الآن.

استطعت التصالح مع المشكلة، بعد سماعي "بودكاست" عن التخلص من المشاعر السلبية، لم أكن أفكر في أمر معين، اخترت سماع هذا بشكل عشوائي، ثم أحببت تجريب ذلك عبر كتابة صفحة كل يوم عن مشاعري في سطر ما، وعهدت نفسي بالصدق في الكتابة.

الآن أحب نفسي لدرجة أنني لا أرى أن اللثغة مشكلة، وأن الأمر ليس بهذا السوء الذي أظهره لي الجميع، وزادت ثقتي في نفسي، وأصبحت أتحدث بحرية أكثر وأعبر عن مشاكلي بشكل أفضل.

وحين انتقلت إلى المرحلة الثانوية شاركت في مسابقات شعر، وكنت أهدئ من نفسي إذا تم استبعادي بسبب النطق.

وأنا سعيدة؛ لأنني حققت بعض الأشياء التي حلمت بها، وأتحدث الآن في الإذاعة المدرسية، وتميزت في مدرستي، ولم تعوقني اللثغة عن طريقي مثل البدايات.

تأكدت أن المشكلة في طريقة تفكير بعض الأشخاص الذين يعيشون معنا في المجتمع، فمن الممكن أن يكونوا أول وأهم الأسباب التي تفقد الإنسان الثقة بالنفس؛ بسبب مشكلة بسيطة يمكن التغلب عليها.