في مشهد يكسوه التراب والطين في إحدى شوارع منطقة عشوائية مُكتظة بالبيوت والدكاكين معًا دون ترتيب، تحت أشعة الشمس الحارقة التي تخطّت حرارتها 40 درجة مئوية؛ كنتُ أركض خائفًا باكيًا متألمًا عطشًا وجوعًا، طلقات غريبة مجهولة تنهال عليّ بسرعة من كل مكان، لم أستطع تفاديها ولم يتحملها جسدي، جاهدتُ للهروب بلا جدوى.
لماذا كل ذلك؟ هل لأنني مشيتُ في هذا الشارع؟ لا.
كل الشوارع سواسية.
أردتُ فقط المرور منه لاحتوائه على دكان لبائع طيب، يترك أطباقًا تحوي ماءً عذبًا كل يوم أمام الباب، وأحيانًا بعض الطعام، فأنا لم أطلب الكثير أردتُ فقط "المرور بسلام"، ولكن أين أجده مع أطفال متشردين، لا يعرفون سوى الافتراء عليّ وعلى إخوتي الكلاب وزملائنا من حيوانات الشارع.
هؤلاء الأطفال ينقصهم الرحمة بمن حولهم، هربتُ منهم إلى ذلك الشارع الغريب اليوم، وبحلول الليل وجدتُ صدفةً شخصًا غريبًا، أستطيع أن أنفذ داخله وأرى السواد والكره بقلبه، لكنه ترك أمام منزله طعامًا وماءً، كما لو كان يناديني لآكل وأشرب ثم توارى عن أنظاري.
اقتربتُ من الطعام دون أن أخشاه لجوعي وظمئي الشديدين، تجاهلتُ ما رأيت فيه من سواد وكره، تقدمتُ لأرتوي أولًا، ثم أكلت حتى شبعت وهدأت قليلًا.
مرّت دقائق، ثم تذكرتُ ذلك الشارع، إنه نفس الشارع الذي كلما ذهبتُ إليه كلبًا أو قطة لم تعد! كنتُ أجهل حقيقة الأمر إلى أن وصلتُ بنفسي لأعرف، بعد بضع دقائق شعرتُ بألم مفرط في كل أنحاء جسدي.
لم أستطع النباح أو الهرب، بعد فترة من الألم أدركتُ لماذا كان هذا الكريه كريمًا معي، لقد تناولتُ من يديه السوداويتين سُمًا أنهى حياتي الشاقة في أجواء مُعتمة، يملؤها الخوف والحزن ممزوجين بالألم الشديد، لم أُدرك أين السلام، لكني أدركتُ أنه ليس على الأرض.
وبقيت روحي لفترة وجيزة تحوم حول دكاني المفضل لأول مرة دون ملاحقة الأطفال لي، ورأيتُ البائع محتارًا في أمري؛ فأنا غائب منذ يومين وهذا ما لم أفعله قط، لكنه وجد قطة صغيرة وقرر الاعتناء بها، وهنا كان آخر ما رأيته ككلب ضال.
استيقظ أدهم مفزوعًا من نومه، وفرّ مُسرعًا لتوزيع عبوات المياه والطعام لكل القطط والكلاب الضالة، مُدركًا أن ما رآه لم يكن حلمًا، بل واقعًا أليمًا.