منذ أن سمعت نورهان محمد عن زيادة فواتير الكهرباء للمرة الثانية خلال عام، قلّصت استعمالها لجهاز الميكروويف، واستبدلت الغسالة الأوتوماتيك بغسالة الملابس العادية. وقد بدأت الحكومة المصرية في تحصيل فواتير الكهرباء الخاصة بشهر أغسطس هذه الأيام، وتفاجئت نورهان بفاتورة قيمتها 1600 جنيه بعد تطبيق الزيادة "الفاتوة غالية أوي، أنا كنت متعودة أدفع في الصيف ما بين 500 إلى 700 جنيه، وفي الشتاء ما بين 200 إلى 300 جنيه، حسب استهلاكنا".
واستنكرت نورهان الزيادة المبالغ فيها قائلة "الاستهلاك عندي أقل من العادي، ومع ذلك الفاتورة غالية جدًا"، ويعتبر دخل البيت الشهري 10 آلاف جنيه، بسبب عمل الزوج والزوجة، إذ تتقاضى نورهان نحو 4 آلاف جنيه، ويبلغ مرتب زوجها نحو 6 آلاف جنيه، مما يعني أن دخل الأسرة الشهري يصل نحو 210 دولار، وبحسب مؤسسة فيتش الدولة للتصنيف الائتماني، فإنها تندرج في الفئة الأولى التي ينخفض دخلها السنوى عن 5 آلاف دولار، أي أنها تقع ضمن طبقة محدودي الدخل.
لا تعلم نورهان كيف ستُدّبر أمر الزيادات المُتلاحقة، فمنذ بداية العام ارتفعت أسعار الإنترنت والهاتف المحمول والمترو، وسعر الخبز المدعم، كذلك البنزين والسولار، مما أثر على أسعار المواصلات، وقالت في استياء "استهلاك ايه اللي هنرشّده أكتر من كدة!”، مُضيفة "أعرف ناس بدأت تلغي استخدام الأدوات الكهربائية زي سخان الشاي الكهربائي، ومكواة الملابس، وناس بتأدت تستغنى خالص عن سخانات المية الكهربائية ولجأت لتسخين المية".
زيادتان خلال عام واحد
وقد أعلنت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة، زيادة في أسعار الكهرباء للاستخدام المنزلي للمرة الثانية في نفس العام، بنسب تتراوح ما بين 17% إلى 50%، ابتداءً من فاتورة شهر سبتمبر الحالي، التي تعكس استهلاك الكهرباء خلال شهر أغسطس الماضي.
وتُطبّق الحكومة نظام الشرائح في محاسبة فواتير الكهرباء، بحيث يُقسّم استهلاك الكهرباء الشهري الخاص بالمنازل إلى سبع شرائح، وتزداد تكلفة الكيلو وات/ ساعة كلما زاد الاستهلاك، إذ يهدف هذا النظام إلى تقديم دعم للفئات الأكثر احتياجًا، وتقليل الاستهلاك العالي للطاقة من خلال رفع تكلفة الشرائح الأعلى.
أصبحت بعد الزيادة الأخيرة، الشريحة الأولى التي تبدأ من 0 إلى 50 كيلو وات بسعر 68 قرشًا لكل كيلو وات، بدلًا من 58 قرشًا، وهي الأقل تكلفة وتحظى بأكبر قدر من الدعم، وتستمر الأسعار في الزيادة كلما ارتفع الاستهلاك، ويُشار إلى أنه مع تجاوز الاستهلاك 650 كيلو وات أي الشريحة السادسة، تُحسب بـ2.10 جنيه لكل كيلو وات بدلًا من 140 قرشًا، وأخيرًا، الشريحة السابعة التي تتجاوز استهلاك 1000 كيلو وات تُحسب بسعر 2.23 جنيه بدلًا من 165 قرشًا، بزيادة قدرها 35% من الصفر، وهذه الشريحة لم تعد مدعومة.
وقد أوضح رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، خلال مؤتمر صحفي في أغسطس الماضي، أن الدعم الذي سيُقدّم لتلك الشرائح سيكون من مدفوعات الشرائح الأعلى استهلاكًا، وأن الزيادات ستكون طفيفة على الشرائح الدنيا، مُشيرًا إلى أن الزيادة في أسعار الكهرباء بلغت لأول 3 شرائح من 10 إلى 12 قرشًا، بينما ارتفعت الشريحة التالية التي تمثل الطبقة المتوسطة إلى نحو 25 قرشًا.
صدمات متوالية
إلا أن الوضع على أرض الواقع غير ذلك، إذ تقول آلاء شحاتة، موظفة حكومية وأرملة ولديها طفلين، وهي إحدي سكان مركز أخميم، إنها صُدمت حالما وصلتها فاتورة الكهرباء التي بلغت قيمتها 700 جنيهًا، مما أثّر على ميزانية المنزل "ومعرفتش أدفع مستلزمات المدرسة لولادي"، بينما كانت تدفع في السابق ما بين 250 إلى 300 جنيهًا تقريبًا، ويتوسط دخل الأسرة شهريًا نحو 5 آلاف جنيه.
اشتكت أيضًا عائشة محمد، إحدى سكان مركز طهطا، من غلاء فاتورة الكهرباء الأخيرة، إذ دفعت نحو 950 جنيه لشهر أغسطس، على الرغم أن فاتورة الكهرباء في الشهور الماضية لم تكن بسيطة أيضًا "كنت بدفع تقريبا من 700 إلى 800 جنيه شهريًا"، وكانت تحاول عائشة إدخار تكلفة فاتورة الكهرباء من مرتب زوجها "كنت فاكرة المحصل غلطان في حاجة، لحد ما شرحلي نظام الشرائح وزيادة أسعارها".
وتُعبّر عائشة عن صدمتها من حديث محصل الكهرباء مُتسائلة "ازاي هقدر أوفر المبلغ ده كل شهر؟!"، ولم تجد حلًا لذلك سوى محاولة إضافية لترشيد الاستهلاك، وتشير السيدة ذات الـ40 عامًا قائلة إن "نظام الشرائح كارثة على كل البيوت، وخصوصًا البيوت المعتمدة على مرتب واحد".
نظام الشرائح
وتتكون شرائح أسعار الكهرباء التي تصل المنازل من سبع شرائح، وشرائح القطاع الصناعي والتجاري من خمس شرائح، وتطبق الحكومة المصرية نظام الشرائح في المحاسبة على فواتير الكهرباء منذ سنوات، وهو نظام يتضمن زيادة في سعر الكهرباء كلما زاد الاستهلاك إلى حد معين.
وتأتي الزيادات الجديدة في أسعار الكهرباء ضمن شروط فرضها صندوق النقد الدولي للإفراج عن شرائح القرض الممدد الممنوح لمصر، والمُقدّر بـ8 مليارات دولار، وقد انتهى صندوق النقد من المراجعة الثالثة للقرض في يوليو الماضي، وقال الصندوق حينها في بيان "استعادة أسعار الطاقة إلى مستويات رفع الدعم عنها، بما في ذلك أسعار الوقود بحلول ديسمبر 2025، أمر ضروري لدعم التوفير السلس للطاقة للسكان والحد من الاختلالات في القطاع".
وأشار رئيس الوزراء مصطفي مدبولي، أن السبب في الزيادة الجديدة يأتي لسد الفجوة في فاتورة الوقود التي تتحملها الحكومة لتشغيل محطات الكهرباء.
وتقدّمت، أمس الأربعاء، النائبة إيفلين متى، عضو لجنة الصناعة بمجلس النواب، باقتراح برغبة لوزير الكهرباء، المهندس محمود عصمت، بشأن زيادة أسعار الكهرباء وسحب مبلغ من العدادات مسبوقة الدفع عند الشحن، وطالبت بضرورة تفعيل الدور الرقابي للحكومة، لتحقيق نسبة التوازن ما بين تكلفة الإنتاج والاستهلاك من إنتاج الكهرباء.
وأشارت عضو لجنة الصناعة في بيانها أن ارتفاع أسعار الكهرباء سيؤثر على ارتفاع أسعار المنتجات ووسائل المواصلات.
قلق مستمر من زيادة الأسعار
وتقول هدى جبالي، ربة منزل ذات الـ37 عامًا من مركز مدينة سوهاج، إنها تعاني دومًا من القلق مع بداية كل شهر بسبب فاتورة الكهرباء التي تأتي مرتفعة دائمًا، وعندما سمعت عن قرار زيادة أسعار الشرائح اشتد قلقها، مُستطردة في حديثها "بالي كان مشغول، يا ترى فاتورة الكهرباء هتكون بكام الشهر ده ؟!".
ودفعت هدى فاتورة شهر أغسطس البالغة 450 جنيهًا، والتي كانت تتراوح في السابق ما بين 300 إلى 350 جنيهًا، على الرغم من حرصها على ترشيد الاستهلاك، مُشيرة إلى أن الحل لن يكون سوى بالاستغناء عن الأجهزة الضرورية مثل الميكرويف والتكييف والتلفاز، ووصفت هدى نظام زيادة أسعار الشرائح "مصيبة لكل أسرة متوسطة الدخل"، كما أوضحت عدم قدرتها على التأقلم والتكيف مع كل هذه الزيادات في جميع المجالات.
ويوضح هاني صبري، ربّ أسرة وموظف حكومي ولديه عمله الخاص بمحل تجاري، أن سعر الكهرباء للمنازل يختلف عن سعرها للأماكن التجارية؛ مُوضحًا "سعر نفس الكمية من الكهرباء في المحل الخاص به يكون أعلى من نفس الكمية للمنزل"، ويعتقد هاني أن مرتبه كموظف حكومي فقط دون محلّه الخاص لا يكفي لدفع فاتورة الكهرباء إلى جانب بقية التزاماته، ويرى هاني أن الزيادة في الأسعار الفترة القادمة ستكون صعبة وغير محتملة على الذين يعتمدون في سداد فواتيرهم على راتبهم كموظفين، إذ دفع للمنزل والمحل فاتورة كهرباء تبلغ 1500 جنيهًا بدلًا من 1000 جنيه، رغم محاولاته في اقتصاد الكهرباء قدر المستطاع استعدادًا لمواجهة موجة الزيادة الجديدة في الأسعار.
وكانت وزارة الكهرباء أعلنت، في يناير الماضي، زيادة أسعار الكهرباء بنسب تراوحت بين 10% و22%، على أن تُطبق اﻷسعار الجديدة حتى يونيو الماضي، استعدادًا لزيادتها مجددًا بحسب خطة رفع دعم الكهرباء بالكامل، والتي تأجل تنفيذها 3 مرات، منذ يوليو 2022 وحتى نهاية العام الماضي، بسبب الأوضاع الاقتصادية.
وصرح رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، في مايو الماضي بأنه كلّف وزير الكهرباء السابق، محمد شاكر، بإعداد خطة تدريجية لمدة أربع سنوات لزيادة أسعار الكهرباء، أي أن الزيادة ستظل مستمرة. وأعلن في نهاية شهر يوليو، "أن الحكومة المصرية وضعت خطة من 4 إلى 5 سنوات لتحرير أسعار الكهرباء، ولن يتم المساس بصورة كبيرة بالشرائح المنخفضة".