رمضان بعيدًا عن العائلة.. طلاب مصريون يروون حكايات الغربة

تصوير: رفيدة أشرف - زينة رمضان في ليبيا

كتب/ت رفيدة أشرف
2025-03-23 10:00:07

لم يشعر محمد السيد، طالب في كلية القانون جامعة السلام الدولية في ليبيا، بوطأة الجوع في أول أيام رمضان رغم صيامه لأكثر من 13 ساعة، لكن ما يثقل قلبه هو إحساس الغربة الذي زادت حدته مع حلول الشهر الكريم.

لأول مرة، وجد محمد نفسه بعيدًا عن دفء العائلة، فاقتصر إفطاره على الخبز والزبادي، بينما كان الحنين إلى أجواء المنزل والمائدة العامرة أشد وقعًا من الجوع.

يقول: "منذ أن جئت للدراسة في ليبيا وأنا أشعر بالغربة، لكنها أصبحت أكثر إيلامًا في رمضان، حيث وجدت نفسي وحيدًا على مائدة الإفطار، دون الضحكات والأحاديث العائلية، جعلني رمضان هنا أدرك حقًا قيمة العائلة".

هذا الإحساس لم يكن غريبًا عن عبدالرحمن سيد، طالب في كلية الصيدلة جامعة السلام الدولية في ليبيا، فهو أيضًا مصري يعيش التجربة ذاتها. يقول: "رمضان في مصر مختلف تمامًا، حيث تمتزج الروحانيات بالأجواء الاجتماعية والاحتفالات حتى في أحلك الظروف، بينما تبدو الأجواء أكثر هدوءًا وانغلاقًا في ليبيا".

يضيف: "نحن المغتربين نحاول تعويض ذلك بتنظيم تجمعات للإفطار والسحور في السكن. نحن هنا بمثابة عائلة، ورغم أن رمضان في ليبيا إجازة دراسية، إلا أن قلة الأماكن الترفيهية تجعل أيامنا تدور بين إعداد الفطور والتسامر حتى السحور، مع محاولات للخروج كلما سنحت الفرصة".

محمد وعبدالرحمن، طالبان مصريان يدرسان هذا العام في ليبيا، ويقضيان رمضانهما الأول في الغربة، محاولان التأقلم، لكن قلبهما لا يزال معلقًا بمائدة الإفطار في مصر، حيث العائلة والدفء الذي لا يعوض، ولم يكن الشعور بالغربة لديهم فقط، هناك العديد من الطلاب المصريين الذين يخوضون التجربة ذاتها، محاولين التكيف مع الأجواء الرمضانية المختلفة في ليبيا، حيث تغيب التجمعات العائلية.

محمد: "نحاول خلق أجواء رمضان"

يرى محمد السيد، أن طبيعة المجتمع الليبي تختلف عن نظيرتها في مصر، حيث تفضل العائلات الليبية الاحتفاظ بخصوصيتها، بعيدًا عن الأجواء الاجتماعية الصاخبة التي تميز رمضان في بلده، ورغم أنه لم يرَ أي مظاهر زينة، إلا أنه لمس طيبة بعض الليبيين الذين قدموا له دعوات للضيافة.

ورغم ذلك يشعر بالغربة بسبب ابتعاده عن أهله: "يُمنع في ليبيا سكن المغتربين العُزّاب وسط المناطق العائلية، ما يضطرنا للعيش في أماكن شبه خالية من السكان، وهو تحدٍّ إضافي يجعل الشعور بالغربة أشد وطأة، لكننا نحاول التكيف".

من بين أصعب اللحظات التي مر بها في رمضان، كانت رؤية العائلات مجتمعة على الإفطار، بينما كان هو يجلس وحيدًا، مكتفيًا بالخبز والزبادي، يقول متأثرًا: "عندما كنت أرى العائلات معًا، كنت أدعو الله أن يصبر الأيتام الذين فقدوا آباءهم وأمهاتهم".

ورغم كل التحديات، ينظر محمد إلى الغربة كفرصة للتعلم والنضج: "الغربة تعلمك أن تعتمد على نفسك، لأن ليس كل من حولك سيشعر بك، وحتى لو شعروا، لكل شخص مشاكله ومسؤولياته، ولا يمكنك أن تثقل على عائلتك بمشاعرك".

بينما يصف عبدالرحمن تجربة الاغتراب كطالب بالصعبة لا سيما في رمضان، حيث يزيد شعوره بالوحدة وافتقاده لأسرته وأصدقائه، مشيرًا إلى أن اللحظات الأصعب تكون أثناء محادثاتهم أو عند استعادة ذكريات رمضان في مصر. 

ورغم أن غياب الدراسة يتيح له فرصة أكبر للعبادة والتواصل الاجتماعي، إلا أنه يحن لأجواء مصر، حيث التجمعات في الشوارع، ولعب الكرة، وأداء الصلاة في المساجد، يقول: "رغم قسوة الغربة، إلا أنها تعلم الاستقلالية والتأقلم مع طباع مختلفة، لكنها في الوقت نفسه تجعلني أقدر دفء العائلة أكثر، وأدرك قيمة تضحياتهم حتى في التفاصيل البسيطة، مثل تحضير الإفطار والسحور".

هيثم: "التجربة الأولى صعبة"

يتشارك معهم ذات الشعور محمد هيثم، طالب في كلية الطب البشري بجامعة العرب للعلوم الطبية والتكنولوجية في ليبيا، حيث يرى أن الفرق بين رمضان في مصر وليبيا كبير، وتكاد الأجواء الرمضانية وصلاة التراويح منعدمة في ليبيا مقارنة بمصر.  

لذا يحاول هيثم هو وزملاؤه خلق أجواء رمضانية مُشابهة حتى لا يشعرون بوطأة الغربة لا سيما في رمضان، من خلال تعليق الزينة والإفطار معًا: "اللمة لا تعوض دفء العائلة، أصعب لحظة كانت عند رؤية عائلتي مجتمعة على الإفطار في أول يوم رمضان عبر مكالمات الفيديو بدوني، حينها لم أتمالك دموعي".

بالنسبة له فإن رمضان في مصر لا بديل له، لكون الغربة تجبره على تحمل المسؤولية الكاملة، مما زاد من نضجه واعتماده على نفسه، لكنه يفتقد العادات التي اعتادها، مثل قراءة القرآن مع الأطفال في الكُتاب، وتوزيع الوجبات وقت الأذان.  

يفتقد محمد هيثم جو العائلة. يقول: "الغربة جعلتني أكثر تقديرًا واحتياجًا لأهلي، فمن الصعب التأقلم مع أجواء جديدة وسط أشخاص لم أعرفهم إلا منذ شهور قليلة".

بينما يؤكد محمد السيد أن الغربة في رمضان ليست مجرد بعدٍ جغرافي عن الأهل، بل هي افتقاد لروح رمضان الحقيقية، حيث التجمعات العائلية.

أما عبدالرحمن، يرى أن هذه التجربة جعلته يدرك قيمة اللحظات البسيطة التي كان يعتبرها عادية في السابق، مثل تحضير الإفطار مع أسرته أو سماع صوت أذان المغرب وسط ضحكات العائلة.

ويتشارك الثلاثة في شعور الغربة الذي يزيد في رمضان ويختلف تمامًا عن أي وقت آخر من العام، حيث يصبح الحنين إلى الأهل أكثر، وتبدو الأجواء أكثر برودة رغم دفء المشاعر بينهم كمغتربين.

 

تصوير: رفيدة أشرف - رمضان في ليبيا