توقفت جهاد عن ركوب الدراجات عندما بلغت من العمر 12 عامًا بسبب رفض والده، وبرر ذلك إلى نظرة الناس والأقارب في سوهاج التي تنتقد هذا الفعل للبنات، بينما تفعل العكس للولاد.
ولذلك كانت الفرصة الوحيدة لجهاد كي تقود الدراجة من حين لآخر هو عندما تذهب إلى القاهرة أو في الأندية، أما اتخاذها من الدراجة وسيلة تنقل داخل المحافظة فهو أمرًا مستحيلًا من الأساس.
منذ عدة أشهر، تعرفت جهاد على فريق "take bike " من خلال صفحة الفيسبوك وبعد إلحاح شديد على والدها، انضمت للفريق .
"لم يكن الأمر سهلًا على الإطلاق"، تقول جهاد ذات الـ26 عامًا، مشيرة إلى أنها شعرت بالقلق والتوتر لمدة شهرين كاملين أثناء مشاركتها في جولات الفريق الأسبوعية خوفًا من نظرات الناس لدرجة أنها كادت تتوقف عن استكمال مشاركتها، ولكن حبها لقيادة الدراجة جعلها تقرر الاستمرار مهما كانت الظروف.
بدأ فريق take bike” عمله في سوهاج عام 2020، ووفقًا لـ محمد عبدالوهاب، مؤسس الفريق، جاءت له الفكرة حينما وجد أن قيادة النساء للدراجات في سوهاج صعبة بسبب عادات وتقاليد لدى الناس تستهجن ذلك، ولأن عبدالوهاب هو أحد أعضاء فريق دراجو سوهاج، المقتصر المشاركة فيه على الشباب، فبادر إلى تكوين فريقًا جديدًا، يكون الانضمام فيه للنساء فقط.
يقول عبد الوهاب إن هذه هي الفرصة الوحيدة التي تسمح فيها العائلات لبناتهن بركوب الدراجات، لأنهم لا يسمحوا لهن بذلك إذا وجدوا أن الجولات مشتركة بين الجنسين.
يقود الفريق حاليًا مدربين من الجنسين، يشتركا سويًا في تعليم المشاركات قيادة الدراجات و تأمين الجولات نفسها التي ينظمها الفريق يوم الجمعة من كل أسبوع، فتبدأ الجولة الأولى في السادسة صباحًا، أما الجولة الثانية فتكون في التاسعة صباحًا.
تترواح أعمار المشاركات بالفريق ما بين 8 سنوات وحتى 45 عامًا، وتسير الجولات في مسارات محددة تكون مناسبة لقيادة الدراجات، فهي رياضة لا تسمح بها كل الشوارع في مدينة سوهاج أو مراكزها.
يراقب عبد الوهاب وزملاؤه في قيادة الفريق الدراجات على مدار مسار الجولة المحدد، كما يحرص على تأمين المشاركات والتدخل حال مواجهتهن لأي معوقات.
من شارع 15 غالبًا تنطلق الجولة التي يتحدد لها مسار مختلف كل أسبوع، التي لا يأت إليها المشاركات اللاتي يسكنّ المدينة فقط، بل يأت بعضهن من المراكز المحيطة، ننجمع المشاركات في السادسة صباحًا وهو بالنسبة لهن موعدًا مناسبًا قبل أن تزدحم الشوارع، فهن يبعدن بذلك عن توتر مواجهة المارة خصوصًا الرافضين لهذا الأمر.
يقول عبد الوهاب إن أغلب المشاركات في الجولات لا يمتلكن دراجات خاصة بهن، بل يعتمدن على التأجير الأسبوعي وقت الجولة، سواء للمشاركة مباشرة أو لتعلم قيادة الدراجة من البداية، وهناك من قررن شراء دراجاتهن الخاصة ويساعدهن الفريق بخبراته وقت الشراء.
يضيف: "في بداية الأمر واجهت رفضًا تامًا من أغلب الناس بسبب بعض الأفكار السائدة بين المعظم، فالإناث غير مسموح لها بممارسة رياضة الدراجات لأن ذلك يخالف عادات وتقاليد المجتمع، كما أن نظرات الناس في بداية تنفيذ الفكرة كانت متفاوتة، فمنهم من وافق على الأمر ومنهم من كان ينتقد، ولكن مع مرور الوقت بدأت الناس تتقبل الفكرة بعدما استطاع الفريق إيصالها في شكلها الصحيح، فركوب الدراجات رياضة مثلها كمثل باقي الرياضات، وفي الوقت الحالي أصبحت المشاركات هن من يشجعن الفريق على استمرار النزول في الجولات".
يستكمل "عبدالوهاب"حديثه قائلًا إنه استطاع إنجاز 70% من هدف إنشاء الفريق، متمنيًا التوسع في الجولات مستقبلًا ليكون الفريق قادرًا علي السفر بين المحافظات، وتستطع المشاركات الدخول في مسابقات محلية ودولية حتى تكون الدراجة أسلوب حياة لكل شخص.
شاركت مع الفريق في إحدى جولاته الصباحية، فشعرت بالفعل ببعض التوتر الذي يدور حول عدم اعتياد قيادة الدراجة وسط الشارع، لكني مع الوقت، تسرب إلىّ شعورًا بالدعم من وجودي وسط فريق، فكانت تسير بجانبي أم مع طفليها، جاءوا ليشاركوا جميعًا بدراجاتهم.
وبدأت أركز فقط على الطريق والقيادة، ولا ألتفت لمن موجود في الشارع أو من ينظر لنا سواء قبولًا أو رفضًا، وحتى الكلاب التي بدأت تعوي عليّ لأني كنت تقريبًا في آخر الصف، فساعدني مسؤولي الفريق على تجاوزهم، وشعرت بالأمان والحماية.
في حديثي مع المشاركات بعد انتهاء الجولة، كان هذا تقريبًا نفس الشعور الذي طغى على الجميع، أن تمارس أمرًا أنت ممنوع منه لمجرد أن هناك من يعترض عليه دون أن يكون هذا سلوكًا غير أخلاقي، فقط العادات التي تسمح للأولاد أن يقوموا بهذا بينما تغلف قيادة النساء له بـ"العيب".
تقول ابتسام محمد، خريجة كلية سياحة وفنادق وقائد الفريق، "ركوب الدراجة هوايتي المفضلة فهي مصدر طاقة إيجابية، كما أن ممارستها تجدد نشاطي، فتعرفت على الفريق في عام 2021 وشاركت في العديد من جولاته خاصة أثناء ذهابهم لمدينة الكوامل ومن هنا بدأ حبي يعود لركوب الدراجات لأنني كنت أمارس ركوبها حتى الصف الثاني الإعدادي ثم توقفت بسبب نظرة الناس وعدم تقبلهم لهذه الفكرة".
وأضافت: "وجدت الدعم من الفريق حيث أقترح عليّ مؤسسه الانضمام لهم كقائد فريق وليس كمشاركة لتعليم باقي المشاركات ركوب الدراجات، وكنت أشعر بالفخر والإنجاز عندما أعلم أي فتاة منهن ركوب الدراجة،كما أن فكرة إنشاء فريق يقتصر على الإناث بالنسبة لمحافظة سوهاج هي فكرة جديدة على المجتمع، ففي البداية قابل بعض الناس الفكرة بالهجوم بسبب فكرة تعليم الإناث ركوب الدراجات، ولكن عن نفسي حاليًا أصبحت نظرة الناس التي تنتقدني لاتهمني، فأهتم فقط بالهواية التي أمارسها وتشجعني عائلتي على ذلك، وخصوصًا إخوتي لأنهم يرون أن ممارستي لهذة الرياضة مصدر سعادة بالنسبة لي".
أما رحاب محمد إبراهيم، أحد أعضاء الفريق وطالبة في الصف الأول الإعدادي، فتوضح أن ممارستها لرياضة ركوب الدراجات لم تؤثر على دراستها، مشيرة إلى أنها تعرفت على الفريق من خلال الفيسبوك وأن نظرات الناس لا تهمها، كما أن انضمامها للفريق ساعدها في تكوين صداقات جديدة، حتى أن حالتها الصحية تحسنت للأفضل، فهذه الرياضة تكسبها طاقة إيجابية، ولذلك شجعتها عائلتها على ممارستها.
"والدتي هي أول من شجعني للانضمام للفريق"، هكذا قالت ريتاج خالد، طالبة في الصف الأول الثانوي، مشيرة إلى انضمامها للفريق كان بسبب حبها لرياضة الدراجات.
تقول "ريتاج": "أشعر بمتعة كبيرة عندما أمارس هذه الرياضة، فهي تساعدني على الترويح عن ذاتي أثناء الدراسة، ولم تؤثر أبدًا على معدل استذكاري للدروس، أما عن نظرة الناس فهي لا تهمني ولا ألتفت لها أثناء الجولة".