عن يهود مصر ..قراءة في رواية "لا تتركوني هنا وحدي"

تصوير: مريم أشرف - غلاف رواية "لا تتركوني هنا وحدي"

كتب/ت مريم أشرف
2021-08-29 00:00:00

كطبيعة مواليد جيل الألفينات، كنت أعلم أن اليهود كانوا يعيشون في مصر، لكنها ظلت لفترة طويلة مجرد معلومة، حتى شاهدت مسلسل حارة اليهود، ومن هنا انفتحت على هذا العالم.

قرأت عن هذه الحقبة، قرأت عن مصر المليئة بالاختلاف، لكن ظل المنظور العام هو عدم معرفة القصص على حقيقتها دون تشويه أو إضافة؛ القصص التي تحكي عن يهود مصر، عن حكاياتهم ومشاعرهم.

بقت بداخلي أسئلة فضول تجاه القصص الإنسانية، والمشاعر الحقيقة، لكن كنت أشعر أنها بعيدة، حتى أني تمنيت أن أُولد في هذه الحقبة الزمنية، حتى قرأت رواية لا تتركوني هنا وحدي لإحسان عبد القدوس، وشعرت أني فتحت الباب، ودخلت إلى هذا الزمن.

لم تأخذني الرواية إلى عالم يهود مصر فقط، بل أيضا إلي عالم السيدات اليهوديات في مصر، فتبدأ بشخصية رئيسية وهي لوسي اليهودية الطموحة، لكنها طموحة بشكل مختلف، فهي لا تعيش في عالم الأحلام، لكنها طموحة واقعية، تفكر دوماً في فقرها، وأنها ليست من الطبقة الأرستقراطية اليهودية.

كان كل طموحها أن تصل إلي هذه الطبقة، التي تضمن لها ولأبنائها الأمان والقوة، في مجتمع يتعامل معها دوماً على أنها أقلية.

وصل طموح لوسي إلى أنها أصبحت زينب، لأنها تتطلع للطبقة المسلمة التي تنتمي إلى الملكية والأرستقراطية والسلطة.

مرت الرواية بأحداث تاريخية مهمة، مثل فترة الملك فاروق، ما حدث في 1952من تنظيم الضباط الأحرار، وحرب فلسطين، والعدوان الثلاثي.

وخلال أحداث الرواية أدركت كم التهديد الذي شعر به اليهود في هذه الفترة، بسبب الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وأن وضع اليهود في مصر لم يكن مستقرًا طوال فترة الصراع، لأنهم دفعوا ثمن ما فعله الاحتلال.

رغم أن لوسي أصبحت زينب، إلا أنها خلال الأحداث تشعر دوماً أن هويتها الحقيقية هي أنها يهودية مصرية، ليست أي شخص آخر، فتبكي لوسي وتظن أن حياتها انتهت في مصر، كلما شعر اليهود بالتهديد، وزادت هجرة من حولها إلى إسرائيل.

أوضحت لوسي لي الصراع الذي شعر به اليهود في هذه المرحلة، الصراع بين الانتماء والدين، والشعور بالأمان والأقلية، فهي كانت ضد الهجرة، تنتمي إلي مصر بكل تفاصيلها.

خلال القراءة كنت لا أفهم لماذا كل هذه الكراهية وقلة الوعي؟، لماذا لم يدافع أحد عن يهود مصر؟، يجعلهم يعيشون بسلام في مصر، لماذا لم يدعم أحد هذه الفئة؟ الفئة التي يحب دوماً تاريخ مصر أن يدفنها.

انتقال لوسي إلى زينب، جعلني أرى تأثير الانتقال من دين إلى آخر على الدوائر المحيطة بهذا الفرد، كيف نُبذت لوسي وشعرت بالوحدة، ورغم كل هذا الرفض، ظلت تعرف من هي، وتعرف هدفها الحقيقي من الانتقال إلي هذا الدين.

طوال قراءتي للرواية، كانت شخصية لوسي تتشكل أمامي، حتى أصبحت أراها بوضوح، أرى قوتها المختلفة وطموحها المختلف، الانتماء الذي تشعر به.

والذي أثار اهتمامي: كيف تعرف نفسها؟ كيف رفضت الهجرة؟ رغم خوفها من الوحدة، ورغم أن أولادها التي كانت تقوم بكل شيء من أجلهم، هاجروا وتركوها؟

أظن أني سأظل أرى لوسي من أصدق وأقوى الشخصيات التي قرأت عنها، والأهم أنها جعلتني أرى عالم يهود مصر بشكل أوضح، وإنساني أكثر.