تتساقط أوراق الشجر بالخريف، تُسمع أصوات الهواء ولسعات نسائمها، كما تتجاوز أصوات الأمهات خارج النوافذ وهي تصرخ؛ توقظن أبنائهن في بداية عام دراسي جديد، وترفع المدارس أعلامها، ونشم رائحة عصير الجوافة.
هذا الفصل من كل سنة لا تنسى ذكراه، ولا تغفل زينة مع بداية يوم جديد من أيام دراسة ابنتها الصغيرة تحضير عصير الجوافة، إلا أنها اكتشفت أنها نسيته هذا العام.
سرعان ما ذهبت زينة لرؤية الساعة، حتى لا تتأخر ابنتها على موعد المدرسة، أيقظت ابنتها كالعادة بالتقبيل والأحضان والضحك واللهو معها حتى أفاقت من نومها، وجهزت فطور دسم، وعند تحضير العصير اختارت الفراولة بدلًَا من الجوافة، وقفت زينة برهة مع حوارها الداخلي وتساءلت لماذا لم أختار الجوافة؟! لماذا انزعج من رائحتها؟! لماذا تدخلني رائحة الجوافة في حالة حزينة؟ هل توقظ الجوافة داخلي ذكريات مزعجة؟!
تُمشّط زينة، وهي تنظر إلى طبق الجوافة، وتشمّ رائحتها التي امتزجت بالماضي، وتتذكر كم كان الذهاب للمدرسة مؤلمًا والاستيقاظ المبكر صباحًا، فهل يكون شم رائحتها سببًا؟! يقطع تركيزها مع طبق الجوافة ابنتها قائلة: (ماما جهزي معايا الشنطة)، ولكنها لا تزال تتساءل: لِمَ تراودني هذه الأحداث؟ فقد كنت صغيرة ومن الطبيعي أن تزول تلك الذكريات مع الكبر، هل أصبت بمرض نفسي مثلًا؟!
تقف الابنة أمام الحقيبة، لكنها لم تستطع القراءة إذ كانت تنتظر مساعدة أمها في وضع كتبها حسب جدولها اليومي، تنظر زينة إلى الكتب والكشاكيل وكأن شكلها يُقبض القلب، ويبدأ عقلها هنا باسترجاع الذكريات، وهنا علمت عن سبب دقات قلبها العنيفة، فقد كانت توقظها والدتها بالصياح والضرب، وكانت تعاقبها بحدة وعنف عندما تطلب زينة المساعدة في القراءة أو تحضير الجدول.
حاولت زينة الخروج من تلك الحالة والذكريات الحزينة، واتجهت نحو ابنتها لمنحها كوب العصير، إلا أنها ما إن فعلت ذلك حتى دخلت في ذكرى أسوأ، فقد كانت تعطيها والدتها كوب العصير وتصفف لها شعرها بشكل عنيف ومؤلم.
وتذكرت أيضًا أستاذ عبد النبي، وهو ممسك بعصاه الكبيرة ووجهه شاحب ومنزعج، كم كان مخيفًا ومقبضًا في الصباح!!، قاومت تفكيرها المزعج، ورتبت كتب ابنتها، رافقت ابنتها حتى ارتدت ملابس المدرسة بحب وحنية ولهو، وقررت أن تطلق لضفائر ابنتها العنان، وألا تؤلمها أثناء التصفيف، ساعدت ابنتها ودعمتها في كل شيء، صنعت لابنتها صباحًا سعيدًا. قررت أن تصنع لها ذكريات مبهجة، قررت أن تُسعد ابنتها برائحة الجوافة.