مع اقتراب شهر رمضان قلت لأبي: «يا أبي جاء رمضان ولم تحضر لي بعد فانوس أريد فانوس»، رد قائلًا: «حسنًا حسنًا سوف أحضر لك فانوسًا»، وأحضر لي فانوسًا مصنوعًا من النحاس ويعمل بالشمعة ولكن لا يغني ولا يرقص.فقلت له: «ما هذا يا أبى»، قال: «هذا أجود وأغلى فانوس في السوق لقد أوصيت صديقًا لي أن يصنع لكي هذا الفانوس على التراث المصري الأصيل الذي قلده العام كله ونفذوا مثله».فقلت له: «ولكن يا أبى أنا لا أريد هذا الفانوس، أنا أريد الفانوس الذي يرقص ويغني وليس ضخمًا كهذا، ومصنوع من البلاستيك»، فقال لي: «هل تعلمين ثمن هذا الفانوس المصري وثمن الفانوس الصيني؟ لا يوجد بينهم مقارنة».
ومع إلحاحي أحضر لي أبي الفانوس الصيني، وأصبح لدي الفانوس المصري والفانوس الصيني، وبعد قليل من الوقت أصبح الفانوس الذي يغني ويرقص لا يفعل تلك الأشياء، فوضعته على المنضدة، وشقيقي الصغير كان يلعب أمامها فوقع على الأرض وانكسر، أما الفانوس الآخر صلب لا يؤثر فيه شيء.
وجدت عند أبي فانوسًا مثله ورثه عن أبيه وجده، ووجدت أنه يشبه الحضارة المصرية والغربية، وتحدثت مع أبي عن تاريخ هذا الفانوس فحكى لي أن فكرته ترجع إلى العصر الفاطمي في مصر، وانتشرت بعد ذلك في جميع الدول العربية والعالم.
بدأت قصة الفانوس منذ ألف سنة، حين كان أهل القاهرة يتوقعون وصول الخليفة الفاطمي المعز لدين الله ليلًا في الخامس من رمضان العام 358 هجريًا، إذ أمر القائد العسكري جوهر الصقلي ونائب الملك في ذلك الوقت، سكان المدينة بإضاءة الطريق بالشموع.
وحينها وضع سكان القاهرة الشموع على قواعد خشبية وغطوها بالجلود، لتجنب انطفائها ومن هنا كانت بداية ظهور الفانوس كطقس رمضاني.
وحكى أبي لي، أن تلك الحكاية ليست الوحيدة عن الفانوس، ولكن هناك أسرًا وعائلات في القاهرة اعتادت مرافقة الخليفة الفاطمي في رحلته عبر المدينة، مرورًا ببوابات القاهرة القديمة، وباب النصر، وباب الفتوح، إذ كان في طريقه إلى المقطم لاستطلاع هلال رمضان.وخلال الرحلة كان الجميع يحملون فوانيس لإضاءة الطريق وهم يغنون احتفالًا بقدوم الشهر الكريم، وتوجد رواية أخرى تقول إن الخليفة الفاطمي المعز لدين الله؛ أراد إضاءة المساجد طوال شهر رمضان بالفوانيس والشموع، فأمر بتعليق فانوس على باب كل مسجد .
وبعد أن استمعت لهذه الحكايات من أبي وعرفت تاريخ الفانوس أحببت فانوسي كثيرًا، وعدته أن أحب كل شيء يحضره لي له تاريخ، واستمتعت بجمال الفانوس.