عام وثلاثة أشهر من الدمار، ذاق فيهم أهالي غزة مرارة الفقد لكل ما هو حي، عاشوا حصارًا غير مسبوق، وواقعًا مريرًا لم يكن للزمن دور سوى أن يطيل الجراح ويفاقم الآلام؛ نتيجة حرب الإبادة الجماعية التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على القطاع بأكمله منذ 7 أكتوبر العام 2023، خلفت أكثر من 70 ألف شهيد ولا يزال العدد في ارتفاع.
نزحت الأسر من منازلها، تاركة خلفها ذكريات وعلاقات استمرت لعقود، في حين شُرّد الأطفال وعاشوا في مواجهة حروب الطائرات والدبابات، دون مأوى أو أمل في غدٍ أفضل، بعدما كان الموت حاضرًا في كل زاوية بالقطاع، بيد أن بودار نهاية ربما تحلّ على تلك المأساة.
محطات على طريق المفاوضات
تمثلت البوادر في اتفاق الهدنة الذي توصلت له حماس وإسرائيل، أمس الأربعاء، وتضمن في مرحلته الأولى إطلاق سراح نحو 1000 فلسطيني، وزيادة المساعدات الإنسانية لقطاع غزة إلى 600 شاحنة يوميًا، وانسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي من محوري نتساريم وفيلادلفيا مع بقاء قوة صغيرة.
ونص الاتفاق على الإفراج عن 3 محتجزين إسرائيليين لدى المقاومة الفلسطينية في اليوم الأول، و4 باليوم السابع، و3 في اليوم الـ14، كما سيطلق سراح 3 محتجزين في اليوم الـ28، و3 باليوم الـ35، والباقون في الأسبوع الأخير.
لكن الهدنة مرت بعدة محطات قبل الوصول إلى تلك المرحلة، فمنذ نهاية اتفاق الهدنة الأول خلال 30 نوفمبر العام 2023، شهد مسار التفاوض بين إسرائيل وحماس محطات بارزة، بدأت من مفاوضات باريس مرورًا بالدوحة وصولًا إلى القاهرة إلا أنها لم تصل إلى اتفاق جديّ بين الطرفين.
ولكن أخذت المفاوضات منحنى آخر منذ مطلع الأسبوع الحالي، عندما أعلن مستشار الأمن القومي الأمريكي، جايك ساليفان، أن اتفاق وقف إطلاق النار سيحدث في نهاية الأسبوع، واستقبل أمير قطر تميم بن حمد، وفدًا من حركة حماس في اليوم نفسه، لبحث مفاوضات وقف إطلاق النار.
وخلال الثلاثاء الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، أن السلطات الأمريكية على وشك الوصول إلى اتفاق هدنة بين حماس وإسرائيل، برعاية مصرية قطرية، حتى أُعلن بالأمس عن الوصول لاتفاق، يعتمد على تسليم معتقلين فلسطينيين من قبل الاحتلال، والانسحاب التدريجي من القطاع.
فرحة الأهالي
ورغم قسوة الظروف والألم الذي عاشه أهالي غزة، شهدت العديد من المدن في القطاع لحظات من الفرح والاحتفال بإتمام الاتفاق، حيث امتلأت الشوارع بهتافات "الله أكبر" وابتسامات الأمل التي ارتسمت على وجوه الأهالي.
وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو للحظات الاحتفال عبر الألعاب النارية، وتجمع المئات من أهالي غزة في الشوارع والميادين للاحتفال، وظهرت لقطات كثيرة تعبر عن تلك الفرحة إذ رفع شباب غزة "مجسم المسجد الأقصى" فوق رؤوسهم.
وكانت إحدى أبرز اللقطات هي سجدات الشكر التي قام بها الأهالي بالتزامن مع الاتفاقية، وفي أحد المقاطع ظهرت السيدات وهن يرقصن ويسجدن فرحًا بانتهاء القصف، وسط بكاء من النساء وزغاريد تعبر عن شدة الفرحة.
فرحة لم تكتمل
ومع تلك اللحظات من الفرح، باغت الاحتلال قطاع غزة بغارات جوية متفرقة، أسفرت عن استشهاد قرابة 50 شخصًا وإصابة العشرات، ليعود مشهد الألم والفقد في وقت كانت فيه الفرحة تسكن قلوب أهل غزة، محققين معادلة معقدة بين الفرح والألم.
وأعلن الناطق باسم الدفاع المدني الفلسطيني محمود بصل، عن غارات مكثفة للاحتلال استهدفت مناطق متفرقة من قطاع غزة، وعدة منازل في غرب المدينة وشمالها وشرقها ما أدى إلى استشهاد العشرات.
واستمرت الغارات حتى وقت مبكر من صباح اليوم الخميس، وربما تستمر خلال الساعات المقبلة إذ أن الاتفاق بالهدنة لن يدخل حيز التنفيذ إلا بعد 48 ساعة عقب المرور بعدة موافقات.
عداد الشهداء خلال عام
إضافةً إلى الـ50 شهيدًا الذين سقطوا نتيجة الغارات التي شنها الاحتلال على قطاع غزة بالأمس، يرتفع عدد شهداء غزة خلال عام وأشهر من الحرب إلى نحو 70 ألف شهيد، فقد وصلت الخسائر البشرية والمادية إلى أرقام مروعة، حيث دمر الاحتلال أكثر من نصف أراضي القطاع، بما في ذلك أكثر من 170 مبنى ومنشأة، كما أسفرت الحرب عن إصابة حوالي 116 ألف فلسطيني بجروح، واعتقال 18,700 فلسطيني، ونزوح نحو 2 مليون فلسطيني من شمال القطاع إلى جنوبه، وفقًا لجهاز الإحصاء الفلسطيني.
وهناك أكثر من 12 ألف شخص مفقود أو تحت الأنقاض، كما استشهد أكثر من 1000 عامل في مجال الصحة على الأقل، وأكثر من 180 صحفيًا أو إعلاميًا، ونحو 92 من رجال الدفاع المدني أثناء قيامهم بواجبهم.
ووفق تقرير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، انخفض عدد سكان قطاع غزة بنحو 160 ألف نسمة بنسبة 6% من إجمالي السكان، ويصل عدد عدد سكان غزة الحالي إلى 2.1 مليون نسمة، بينهم أكثر من مليون طفل دون سن 18 عامًا، ما يشكل 47% من إجمالي السكان.
في خضم آلام الحرب وآثارها التي لم تنته، تظل غزة صامدة، تنبض القلوب الباقية بها بالأمل رغم كل ما مرت به من مآسي، وتظل العيون مشدودة نحو المستقبل، ففي الساعات المقبلة تكشف الهدنة مصيرها، فإما تزول المعاناة عن الأهالي أو تستمر الغارات.