أصدرت المحكمة الدستورية العليا، السبت 9 نوفمبر الماضي، قرارًا بعدم دستورية الفقرة الأولى من كل من المادتين (1 و2) من القانون المعروف باسم "الإيجار القديم"، وهو القانون رقم 136 لسنة 1981، الذي تضمنت مادتيه المذكورتين ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنية.
حكم الدستورية، تضمّن وجوب تدخل المُشرّع لإحداث التوازن في العلاقة الإيجارية، بحسب ما ذُكر في الموقع الرسمي للمحكمة، إذ أحيل لمجلس النواب المصري تعديل القانون لوضع ضوابط حاكمة لتحديد إيجار الأماكن السكنية.
تسبب قرار المحكمة بغضب وقلق سكان الإيجار القديم في دار السلام، خوفًا من رفع سعر الإيجار بشكل لا يناسب البعض، وعلى رأسهم أصحاب المعاشات والدخول الشهرية البسيطة، فرفع القيمة الإيجارية سيؤثر على دخولهم المنخفضة، بينما كان اختيارهم للإقامة بعقارات الإيجار القديم بدافع تناسبه مع دخولهم وطبيعة عملهم.
عايشين على السلف
وفقًا لـ"مي رمضان" التي تعمل بحضانة، وتتحصل شهريًا على راتب بقيمة ألف جنيهًا شهريًا، هو دخل الأسرة الرئيسي، بسبب إصابة زوجها وعدم قدرته على العمل في الوقت الحالي، وبالتالي تنفق "مي" 500 جنيه منهم إيجار لشقتها، التي حصلوا عليها منذ 20 عامًا بموجب عقد بنظام الإيجار قديم لمدة 59 عام، ومنذ متابعة مي لقرار المحكمة وهي تشعر بارتباك وخوف، إذ تعني زيادة القيمة الإيجارية القضاء على دخلها تمامًا.
تقول "مي" التي تعاني وضعًا ماليًا سيئًا منذ 6 أشهر: "احنا عايشين من شهور على السلف عشان مش قادرين نكمل ولا نطلع من أزمتنا، كمان يزودوا الإيجار، أنا شايفة إن 500 جنيه كتير على إيجار قديم".
يواجه محمد عرفان -اسم مستعار- نفس الأزمة، بمعاش شهري تبلغ قيمته 3000 جنيه، يسددها مقابل الشقة التي يعيش فيها منذ عام 1996، بقيمة إيجارية بلغت 100 جنيه شهريًا.
وبضم القيمة الإيجارية لنفقات فواتير الكهرباء والغاز والمياه، يقتطع "عرفان" نحو ألف جنيهًا شهريًا، ما يُكلّفه ثلث معاشه، مصدر دخله الوحيد، فيما ينفق شهريًا على أدويته ألف جنيه أخرى، ليتبقى له ألف جنيه فقط يخصصها لشراء طعامه ومستلزماته، حيث يعيش وحيدًا بعد زواج أبنائه الاثنين ووفاة زوجته.
يقول عرفان: "في حال رفع سعر الإيجار، سأضطر للاستغناء عن إحدى الأساسيات، وعلى رأسها عدم المتابعة مع الأطباء، فهي تكلفني شهريًا 200 جنيه، وأحيانًا أكثر لدفع كشف الطبيب، وغالبًا ما يلاحقها تغيير في أنواع الأدوية، وهو عبء مادي جديد".
رفع تدريجي
وحسب وصفه يذكر بنبرة حزينة "أصبحت أحسب كل جنيه، وأضع ميزانية إجبارية، حتى أضمن تحقيق احتياجاتي، وتلك الميزانية لا يناسبها زيادة جنيه واحد في سعر الإيجار".
على الجانب الآخر، يقول سعد عمران -مالك عمارة سكنية في حي دار السلام- إنه لابد من تعديل قانون الإيجار القديم، فبعد سنوات من الأزمة الاقتصادية لا يزال سعر إيجار الشقة 22 جنيهًا، بما يساوي 220 جنيه للعمارة كاملة، وهي نصف تكلفة الغداء له ولأبنائه.
يرى عمران أن ذلك أمر غير عادل بالنسبة له، فيما يتمنى أن يحقق تعديل القانون العدالة بين الطرفين، مُعلقًا: "مش عاوزين الناس تمشي من العمارة، بس عدالة في سعر الإيجار بعد كل السنين دي".
ويُكمل عمران عن أن لديه مستأجرين من أصحاب المعاشات والدخل البسيط، ويفكر في حال رفع سعر الإيجار بعد صدور القانون، مؤكدًا على أنه سيرفع السعر تدريجيًا كل عدة أشهر، حتى يتمكنوا من تحقيق توازن في ميزانيتهم، بدلًا من صدمتهم بتكلفة لا تناسبهم.
لا يتفق "كريم محمد" -اسم مستعار- وهو مالك عمارة في دار السلام، مع حديث "سعد عمران" إذ يؤكد أنه لابد من رفع السعر على جميع المستأجرين، حتى على أصحاب المعاشات والدخل البسيط، لأن المُلاك لا يملكون مصدر دخل آخر أو معاش، ويتلخص دخل محمد في 30 جنيه من كل عقار، مُستنكرًا بقوله "ده حتى فاتورة الإنترنت لوحدها سعرها أغلى من كدا، دي بـ130 جنيه".
ويضيف "كريم" أن تحقيق التوازن بين حقوق الملاك وعدم الضغط على المستأجرين، قد يتحقق من خلال رفع سعر إيجارات المحلات التجارية، بضعف سعر الإيجار السكني.
كذلك يفكر يسري عبد الرحمن -60 عام ومستأجر لعقار ايجار قديم - قائلًا "أكيد أنا مش هدفع إيجار زي إيجار المحلات أو هتساوى في القانون معاهم".
الإيجار التجاري
يسدد "يسري" 60 جنيه إيجار شهري للوحدة السكنية التي يسكنها، فيما يحصل على معاش بقيمة 2500 جنيه شهريًا، يقتطع منهم أيضًا حوالي 600 جنيه فواتير خدمات، فـالعقار الذي يسكنه به ثلاث محال تجارية، تقع جميعها في شارع تجاري، لكن بنظام الإيجار القديم، وهي المحال التي يرى "يسري" ضرورة تعديل قيمتها الإيجارية، بما يتناسب مع نشاطها التجاري، أما الإيجار السكني فلا يقارن بالتجاري، ولابد أن يحترم ذلك مُشرّعي القانون أثناء تعدليه خلال الشهور المقبلة.
وحول موعد تعديل مواد قانون الإيجار القديم، وسيناريوهات تطبيقه، أكد رئيس لجنة الإسكان بمجلس النواب المصري، محمد عطية الفيومي، في تصريح لموقع العربية، أن المجلس ينتظر حيثيات الحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا.
وأضاف أن هناك 8 أشهر متبقية في هذا الفصل التشريعي، وفي حال لم يصدر مجلس النواب القانون خلال تلك الفترة يتم تنفيذ الحكم، وتكون المحكمة صاحبة الحق في تحديد القيمة الإيجارية عند لجوء المالك لها.