الأزمة لم تنتهْ.. أسعار الأدوية الجديدة تهدد حياة المرضى

تصوير: مريم أشرف - أرشيفية

كتب/ت مريم أشرف
2024-12-02 18:04:47

بعد أشهر من أزمة نقص الدواء في مصر، بسبب نقص السيولة الدولارية وبالتالي صعوبة استيراد المواد الخام، التي يعتمد عليها تصنيع الدواء في مصر، وعانى بسببها أصحاب الأمراض المزمنة لأشهر، في البحث عن دواء يضمن لهم يوم جديد، نشرت هيئة الدواء المصرية أخبار على موقعها الرسمي، تتضمن عمليات ضخ الدواء بداية من شهر سبتمبر الماضي، لحل الأزمة، بأسماء الأدوية وكميات الضخ على مستوى الجمهورية.

ولكن ظلت الأزمة شبه مستمرة، في نقص بعض أدوية الأمراض المزمنة، المسكنات ومضادات حيوية وبعض المستلزمات الطبية، وكانت قد كشفت "صوت السلام" في تقرير سابق، في سبتمبر الماضي، أنه على الرغم من عمليات ضخ الدواء، إلا أن الأزمة لاتزال مستمرة، وبعد مرور شهرين، رصدت صوت السلام استمرار الأزمة، لكن بأشكال مختلف. 

الدواء المصري أقل كفاءة

تقول سامية "اسم مستعار" -48 عامًا- إنها تحتاج إلى تلقّي جرعة حقنة وقائية من مرض الحمى الروماتزمية كل 15 يوم، لأن في حالة عدم تلقيها قد تتعرض لمشكلات في صمام القلب، ويبلغ سعر تلك الحقنة 20 جنيهًا للنوع المصري والمستورد، لكن الطبيب الخاص بسامية يُشدد على الحصول على النوع المستورد لأنه أكثر كفاءة وأمان، لكن سامية لم تستطع الوصول إلى النوع الدوائي المستورد لمدة أشهر، بسبب اختفائه من السوق تمامًا، مما اضطرها إلى تناول النوع المصري، فيما أخبرها الطبيب أن ذلك يعرضها للخطر، لكن ليس بإمكانها أي حل آخر.

خلال 6 أشهر ظلت سامية تشعر بالقلق الشديد تجاه تلك الحقنة، وتجاه حالتها الصحية، فقد كانت بين نوعين من الخطر؛ الأول هو أن عدم تلقيها للجرعة يشكل خطر صحيًا، والثاني هو أن تناولها للنوع المصري يُشكّل خطرًا أيضًا، وترى سامية أن الأدوية والحقن المتخصصة في أمراض معينة لا تهتم بها الجهات المعنية، فالحقنة حتى بعد الحديث عن حل الأزمة خلال الفترة الماضية لاتزال غير متوفرة في الصيدليات الحكومية والخاصة على حد سواء، وتعتبر في ذيل اهتمامتهم رغم خطورة المرض، حسب وصفها. 

نفس المدة التي تعاني فيها سامية من قلة الاهتمام بدوائها، عانت خلالها مصرية محمد -50 عام- من عدم توافر أدوية الضغط لوالدها -88 عام- بعد جولة على صيدليات عديدة، لكن أزمتها الحقيقية كانت في عدم توافر أدوية الشيخوخة والشلل الرعاش بالتحديد، رغم رفع شركات الأدوية رفع أسعارها، ضمن خطة حكومية بدأ تطبيقها في أغسطس الماضي.

وظلت حالة والد مصرية في تدهور يوميًا بسبب نقص دواء الشلل الرعاش، الذي مايزال مختفي حتى الآن من السوق، وكل ما أمكنها فعله هو توفير عبوة أو اثنتين عن طريق أحد أقاربها الذي يعمل بإحدى الصيدليات الشهيرة، تجعل والدها يتناول جرعاته لمدة أسبوعين أو أقل.

ارتفاع سعر أدوية الضغط والسكر

بجانب دواء الشلل الرعاش غير المتوفر، ظلت لفترة أدوية الضغط والسكر غير متوفرة بسبب نقص المواد الخام وعدم استيراد مصر لها، أو أنها لاتزال في مرحلة التصنيع، بحسب ما يقول محمد خطاب -صيدلي ومسؤول مخزن دواء-، إلى أن أعلنت هيئة الدواء عبر موقعها توافر 13 مليون عبوة دواء ضغط، بحسب خبر منشور في 24 أكتوبر الماضي، كما توفرت 9 مليون عبوة دواء سكر بحسب خبر آخر منشور بتاريخ 1 نوفمبر الجاري. 

لكن مع توافر الأدوية ارتفع سعرها بأكثر من نصف السعر القديم، كما يقول خطاب، وهو ما أكدته سلمى محمد -23 عام- إذ أنها اشترت نوع الأنسولين الخاص بها بفارق يصل إلى 250 جنيهًا، عن السعر القديم الذي كان يبلغ 300 جنيهًا.

وتشير سلمى أنه اختفى عن السوق في شهر يوليو الماضي، وعاد في سبتمبر بسعر 550 جنيه، لتكتشف الشابة أن السعر الجديد لا تستطيع أسرتها تحمله، خاصة أنها هي وأخيها مصابين بمرض السكري، وهي حتى الآن لم تجد عمل منذ تخرجها، وحاول الطبيب أقنعها بالاستمرار عليه، لكن الأسعار الجديد تمنعها عن ذلك. 

رشّح الطبيب لسلمى نوع أنسولين جديد بسعر 250 جنيه، لكن سلمى لاحظت أعراض خمول وعطش، بينما ارتفعت نسبة السكر في التحليل التراكمي، لتظل أزمة رفع السعر مرعبة وتهدد حياة سلمى، التي تقول "أنا بحس بالذنب وإني تقيلة على أسرتي، بسبب أسعار الأنسولين اللي غلي الضعف فجأة، وغير أن من شهور والدي كان بيلف على صيدليات في أكثر من منطقة عشان يجيبلي الأنسولين". 

علّق محمود فؤاد -مدير جمعية الحق في الدواء- لـ"صوت السلام" على الأزمة قائلًا "بعد سنة كبيسة سببت مشاكل للمرضى وانتهكت حقوقهم في الصحة والدواء، وبعد زيادة الأسعار ومحاولات توفير الدولار، واستمرت أزمة نقص حوالي 1200 صنف دواء، بدأ يتوافر حوالي 600 صنف دواء لحد نوفمبر، لكن لسه منقدرش نقول إن مصر خرجت من الأزمة، لسة قدامنا وقت لحد بداية السنة الجديدة، لأن لسة فيه أدوية حيوية مش موجودة غير في صيدلية الإسعاف، اللي مش كل الناس هتعرف تحصل منها على دواء، بسبب المسافة والوقت".

وأكمل "إتاحة الدواء تكون في أقرب صيدلية للمرضى، لكن بعد الوقت ده الأزمة لسه مأثرة على أدوية القلب والمضادات الحيوية، وبعض القطرات وأدوية ما قبل وبعد زرع الأعضاء، كمان إنتاج الأنسولين غير كافي لعدد المرضى في مصر اللي وصل إلى 15 مليون مريض سكر"، بينما أوضح فؤاد أن السوق مرتبك من تحرك سعر الدولار في أي وقت، ومن توابع الأزمة، أو تكرار سيناريو الأزمة مرة أخرى.

وبينما قالت إيريني سعيد -عضو لجنة الصحة بمجلس النواب- لـ"صوت السلام" في جلسة يوم الاثنين 4 نوفمبر، حضر وزير الصحة ورئيس هيئة الدواء، طلبت إيريني من وزير الصحة توطين صناعة المواد الخام للدواء في مصر، حتى لا تتعرض مصر لأزمة نقص الدواء مرة أخرى، بينما اقترحت زراعة المحاصيل التي تدخل في الصناعات الدوائية، حتى تبدأ مصر في تحقيق سوق متوازن وثابت دون الاعتماد على الاستيراد فقط.

ولاحظت إيريني أن الأدوية توفرت في السوق، إذ إنها لا تتلقى شكاوى بخصوص نقص الدواء، كما كانت تتلقاها بكثافة في يوليو الماضي، لكن تغيرت إلى شكاوى من رفع سعر الأدوية الذي لا يناسب أغلب المرضى، وترى إيريني أن فارق ارتفاع السعر نتيجة رفع سعر الدولار من 30 جنيه إلى 49 جنيه في مارس الماضي، مما أثر على أسعار المواد الخام، وبالتالي طالبت شركات الأدوية رفع التسعيرة الجبرية، لأنها في النهاية تبحث عن الربح. 

تصوير: مريم أشرف - أزمة نقص الدواء في مصر