لا تزال أزمة هدم متحف نبيل درويش قائمة، إذ ازداد الضغط على أسرة الفنان التشكيلي خلال الأسبوع الجاري، بعدما تلقت الأسرة مكالمات، يوم الأحد الموافق 27 أكتوبر، بالبت في تنفيذ الهدم، رغم محاولات الأسرة وبعض المسؤولين والفنانين لمنع القرار خلال العامين الماضيين.
وكان قد نشر خالد ابن نبيل درويش عبر صفحة المتحف الرسمية على "الفيسبوك" أنه "تلقى اتصالًا اليوم يفيد بالإصرار على هدم المتحف ولا رجوع عن القرار"، ودعا خالد عبر المنشور الفنانين لزيارة المتحف قبل هدمه.
كما خرجت نقابة التشكيليين في بيان رسمي، يوم الاثنين، 28 أكتوبر، تعلن فيه تضامنها الكامل مع مطلب الأسرة ومحبي الفنان نبيل درويش، وتجنب هدم المتحف -حسب وصف البيان- كما ذكر البيان قيمة المتحف "يضم المتحف ٣٥٠٠ قطعة خزفية فريدة إلى جانب مرسمه الذي عمل به طوال حياته".
بداية الأزمة
بدأت الأزمة في يناير 2022 بعد تلقي أسرة الفنان التشكيلي إنذارًا بالهدم، من مركز مدينة أبو النمرس، التابعة لمحافظة الجيزة، بضرورة إخلاء المبنى لتوسعة الطريق وتطوير الطريق من المنصورية إلى المريوطية بطول 3.5 كيلومتر، ضمن خطة تطوير الطريق الدائري.
متحف نبيل درويش هو متحف خاص، أي تمتلكه الأسرة، وغير تابع لمؤسسات الدولة، افتتح عام 1981، بعد سنوات من عمله الأكاديمي والإبداعي كفنان تشكيلي متخصص في الخزف، وقد دفعته تلك الرحلة لإنشاء متحف بجانب منزله، الذي ظل مزارًا ومدرسة حيّة يتعلم منها طلاب الفنون لسنوات.
أماكن بديلة
تقول سارة درويش -ابنة الفنان- لـ"صوت السلام" إنها تلقّت مكالمات من حمدي السطوحي -رئيس صندوق التنمية الثقافية- باستمرار قرار الهدم، وذكر خلال المكالمة ضرورة اختيار مكان بديل قبل الهدم لضمان سلامة المقتنيات، وعرض على الأسرة عدة أماكن بديلة منها مكان بمنطقة تلال الفسطاط، والذي رحبت به الأسرة بسبب تناسبه مع الثيمة العامة للمتحف، وقيمته الفنية، لكن سارة أوضحت بعد ذلك أن الجهات المعنية تراجعت عن الإشارة لهذا المكان دون معرفة السبب، وبدأوا في عرض أماكن أخرى.
من بين ما عُرض على الأسرة بعد ذلك "اتقالنا قصر الأمير طاز كخيار، واتقالنا كمان بعض القاعات التابعة لجامعة حلوان"، فيما اعتبرتها سارة وبقية أفراد الأسرة حسب ما ذكرته أن تلك الأماكن غير مناسبة للمقتنيات، فقصر الأمير طاز هو مكان ذو طابع أثري خاص، لا يتناسب مع الرؤية الفنية للمتحف، الذي خلقها درويش في كل تفاصيل متحفه الخاص، وأكدت سارة بقولها إنها غير راضية عن تلك الأماكن "لأن الأمر ليس مجرد نقل".
وشددت ابنة الفنان الراحل على أن الحل الأخير سيكون نقل الأسرة للمقتنيات بطريقتهم، وتصف سارة شعورها خلال تلك الفترة "احنا في حالة بانيك (هلع) ومش عارفين نفكر، كان عندي أمل إن وزارة الثقافة تسعى لإنشاء متحف بديل ومكان مستقل يليق ببابا، كان حلم بس للأسف مقدروش يحققوه"، مؤكدة على "أنا عارفة إن الوزير سعى جاهدًا لتوفير مكان تلال الفسطاط، لكن معرفش أسباب الرجوع عن القرار".
أسبوعان فقط
يوضح طارق الكومي -نقيب الفنانين التشكيليين- لـ"صوت السلام" أن النقابة كانت تعمل على توفير اتفاق بين الطرفين بالتراضي، من خلال توفير بديل يناسب الأسرة، بإقامة متحف بديل يناسب عرض المقتنيات "وفي الوقت نفسه عمل النزلة وتوسعة الطريق، أو تعديل الطريق وخطته مجرد أمتار قليلة، لضمان تواجد المتحف كما هو دون هدم".
ويكمل الكومي أن جزء من مهمّة النقابة هو توضيح الأهمية الثقافية والفنية للمتحف، وأكد على وقوف النقابة بجانب الأسرة محاولين البحث معهم عن حلول "خارج صندوق الهدم" على حد تعبيره، ومحاولة الوصول بشكل عام إلى حالة سلام اجتماعي بين التراث والتطوير، مُستندًا لموقف النقابة أيضًا مما يحدث من هدم مقابر الإمام الشافعي ومحاولاتهم المستمرة لوقف الهدم بالمنطقة التاريخية.
ويذكر الكومي أنه مُقدّر تمامًا لما تمر به الأسرة "كنت أتمنى أن يظل المكان كما هو، ونكون أمناء على أعمال الفنان، بدلًا من حالة الحسرة من هدم تراث فنان تشكيلي مهم".
دور وزارة الثقافة
وعن موقف وزارة الثقافة، فقد أشار وزير الثقافة، أحمد هنو، في تصريحات صحفية لموقع "المصري اليوم" أن قرار إزالة متحف نبيل درويش صدر منذ ثلاث سنوات، وجاري بحث التعويضات المناسبة، كذلك كيفية الحفاظ على مقتنيات الفنان الراحل مع الورثة والجهات المعنية بما يليق بتاريخ الفنان، لكن حتى الآن لم تعرف الأسرة مصير المقتنيات أو التعويضات لأرض المتحف.
وفي تصريحات سابقة للفنان التشكيلي محمد عبلة لـ"صوت السلام" أن درويش من الفنانين القليلين عالميًا في فن الخزف، إلى جانب كونه من أهم الرواد التجريبيين في هذا الفن، من ناحية الخامات المستخدمة، وأضاف "كل قطعة لدرويش تُدرّس بشكل فردي بسبب التقنيات المستخدمة فيها، لذلك هو متحف مهم لطلاب وفناني الخزف".
ومع اقتراب موعد الهدم، تشعر سارة -ابنة الفنان- بالحزن الشديد على ما يحدث لأعمال والدها، لأنها جاورت والدها منذ الحجر الأول بالمتحف، وتعرف المجهود الذي بذله لخلق مساحة لدارسي الفنون ومحبيها، كما أنها قامت برعاية المكان كفرد إضافي للأسرة منذ وفاة والدها قبل 22 عام، غير أنها تراه يضيع أمامها الآن، دون حيلة.