يبدو أن سيناريو الحرب على غزة يعيد نفسه، وإن كان هذه المرة مع لبنان، الذي يواجه قصفًا لم ينقطع منذ أسبوع، جاء آخره صباح أمس الاثنين، بعد أن تلقى 150 ضربة، أودت بحياة 492 شهيدًا، وخلفت 1645 مصابًا، لترتفع بذلك حصيلة القتلى، منذ بدء العدوان، إلى 629 شهيدًا و4445 جريحًا.
العدوان الذي يقع ضحيته الجنوب اللبناني، بدأ يوم الثلاثاء الماضي، حين انفجرت أجهزة المناداة اللاسلكية (البيجر) التي تستخدمها قوات حزب الله، فخلفت نحو 9 شهداء و2800 جريح، في الضاحية والجنوب وبيروت، وهو العدد الذي تضاعف في اليوم التالي إلى 12، قبل أن تتجدد تفجيرات الأجهزة نفسها، لتضيف إلى رصيد الضحايا 37 شهيدًا و2931 جريحًا.
ورغم أن إسرائيل لم تُعلن رسميًا مسؤوليتها، عن التفجيرات التي جرت بواسطة أجهزة اللاسلكي المفخخة، فإن النيويورك تايمز رجّحت ذلك، مُستشهدة بالتاريخ العدائي بين الجانبين، وهو الأمر الذي أيده لاحقًا، الغارات الجوية التي شنّها الاحتلال مساء الخميس الماضي على بلدة الحنية في جنوب لبنان، فأودت بحياة القائدين العسكريين إبراهيم عقيل وأحمد وهبي وأصابت 4 آخرين.
في مرمى النيران
بعد ليلتين مفزعتين عاشها السكان في الجنوب اللبناني، انتقلت صافرات الإنذار إلى شرق فلسطين المحتلة بعد أن رد حزب الله بإصابة 120 صاروخًا إسرائيليًا صباح السبت، قبل أن يقصف في يوم الأحد قاعدة مطار "رامات ديفيد" في جنوب شرق حيفا، وهي قاعدة عسكرية حيوية لسلاح الجو الإسرائيلي.
وعلى إثر الحرائق التي اندلعت في حيفا والجليل والناصرة ومرج أبو عامر، وصفت القناة 12 الإسرائيلية الوضع بأن "1.5 مليون إسرائيلي في مرمي نيران حزب الله"، وأعلنت هيئة البث الإسرائيلية تعليق الدراسة بمدن الشمال التي وصل القصف إليها.
شبح الحرب
هذا التصاعد المتسارع في الأحداث، الذي دفع الخارجية الأمريكية لمطالبة رعاياها بـمغادرة لبنان، حفّز مجلس الأمن بالأمم المتحدة، للاجتماع الجمعة، للحد من "خطر توسع دائرة العنف" التي تشكل "تهديدًا خطيرًا لاستقرار لبنان وإسرائيل والمنطقة بأكملها"، حسب قول روز ماري ديكالو، وكيل الأمين العام للشئون السياسية وبناء السلام.
ونشر إيمانويل ماكرون، رئيس فرنسا، فيديو عبر منصة أكس يطالب اللبنانيون بتفادي الحرب، بينما طالبت روسيا، صباح اليوم الثلاثاء، مواطنيها مغادرة لبنان على وجه السرعة.
سيناريو مخيف قد يتكرر
إن ما يوحي بتكرار سيناريو غزة مع بيروت، ليس فقط القصف الذي يتعرض له لبنان، وإنمأيضًا خطابات المسؤولين الإسرائيليين، التي لا تختلف كثيرًا عمّا أذيع عقب 7 أكتوبر، إذ نشر أفيخاي أدرعي، المتحدث باسم جيش الاحتلال، عبر فيسبوك، فيديو يخاطب فيه أهل البقاع بجنوب لبنان، قائلاً "في حال تواجدكم في منزل يحتوي على أسلحة حزب الله، أو بالقرب منه، عليكم الخروج منه، والابتعاد عنه خلال ساعتين، لمسافة لا تقل عن 1000 متر خارج بلدتكم، أو التوجه إلى المدرسة القريبة منكم، وعدم العودة حتى إشعار أخر"، وهو الخطاب نفسه الذي استخدمه مع أهل غزة عقب نجاح عملية طوفان الأقصى.
كما خرجت كابتن إيلا، نائب المتحدث باسم جيش الاحتلال، في فيديو عبر فيسبوك، أيضًا، تشير إلى أن جيش الاحتلال سيهاجم أهدافًا إرهابية في لبنان قريبًا، بدعوى إخفاءها صواريخ وأسلحة.
من يُقارن بين الأحداث المتصاعدة، وبين الخطابات التي يبثها المحتل الإسرائيلي لن يجد اختلافًا كبيرًا، إلا باستبداله "حزب الله" بـ"حماس"، فتلك ليست المرة الأولى التي تنشب فيها مناوشات بين الاحتلال والحزب، لكن المتتبع للأحداث التي وقعت في غزة قبل عام-وتوشك على دخول عامها الثاني- سيجد أن الحرب الإسرائيلية تضع عينها على الجنوب اللبناني في عدوانها الغاشم. حيث تضرر الجنوب اللبناني كثيرًا منذ السابع من أكتوبر؛ فدُمّر نحو 3200 مبنى، نتيجة للغارات الجوية الإسرائيلية، وأُجبر أكثر من 90 ألف شخص على ترك منزلهم، بينما استشهد 100 شهيد و366 شهيد من مقاتلي حزب الله، حسب بي بي سي. ففي جنوب لبنان ثمّة ما يشبه قطاع غزة من قتل وتهجير ونزوح، ومحو لمدن وتضرر مباني.
صحيح أنه منذ انطلاق طوفان الأقصى، ولبنان في قلب الصراع جنبًا إلى جنب مع غزة، لكن السيناريو الذي يلوح في الأفق منذ الأسبوع الماضي، يبدو أشدّ قتامة مما سبق، حين يرفع لواء القضاء على فصيل مقاوم وشيطنته بدعوى الدفاع عن النفس، وكأن قتل 41 ألف و431 شخص في غزة، وتهجير 1.9 مليون فلسطيني خارج منازلهم، لم يكف شَرّه المحتل للدماء والدمار.