يوم الأربعاء الماضي تفاجأ الجميع مع إعلان خطة إعادة هيكلة المرحلة الثانوية، بهدف تخفيف المواد، إذ دُمجت بعض المواد، واحتسبت اللغة الأجنبية الثانية والجيولوجيا مادتا نجاح ورسوب، وأضيفت مادة الإحصاء للشعبة الأدبية في الصف الثالث.
لم تقتصر المفاجأة عند ذلك، بل إن المفاجأة الأكبر كانت في عدم ذكر مادتي الفلسفة والمنطق في الشعبة الأدبية، وإذ بها تختفي من المشهد تمامًا، واقتصر وجودها في الصف الأول الثانوي فقط.
الفلسفة والمنطق ..أساس التفكير العلمي
اندهش محمد كمال، متحدث النقابة المستقلة لأعضاء هيئة التدريس، من اختفاء مادتي الفلسفة والمنطق، مُوضحًا أن وزير التربية والتعليم، محمد عبد اللطيف، قد عرض رؤية وأهداف خطة إعادة هيكلة المرحلة الثانوية، ومن بينها التأكيد على الاعتماد على منهج التفكير العلمي، وهو منهج يأتي بالأساس من الفلسفة، وعقّب كمال قائلًا "ازاي بعد اختيار رؤية معتمدة على الفلسفة تُحذف المادة من السنة الحاسمة للطالب!”.
ويرى كمال أن تلك الخطوة ستُحجّم المعرفة بالعلوم الإنسانية للطلاب، مُضيفًا أنه من غير المنطقي احتساب مادة الإحصاء ضمن الشعبة الأدبية المعنية بالأساس بالتخصص في العلوم الإنسانية "يجب العمل على وعي طالب الأدبي ودراسته للفلسفة لأنها أساس في العملية الفكرية".
يُكمل كمال حديثه "أنا بتكلم من أرض الواقع مش من برج عالي أو مدارس انترناشونال"، وفي رأيه أن توقيت الإعلان عن الخطة التعليمية غير مفهوم، واصفًا المشهد "محدش في المجال التربوي فاهم الخطة وفيه حالة من التخبط".
وتساءل قائلًا "البيان بيقول إن فيه حوار وطني مع المنظومة التعليمية، مين دول؟ وافقوا على القرار ازاي؟".
المستوى التربوي.. المدرسين والمدارس
المشهد لم يكن ضبابيًا على الهيئات والنقابات فقط، بل كان كارثيًا على مُدرسي مادتي الفلسفة والمنطق. فقد أصاب محمود نبيل الذي يعمل مدرس فلسفة ومنطق منذ 15 عامًا، صدمة حين علم بخطة إعادة هيكلة المرحلة الثانوية، واصفًا ردة فعله بـ"قمة الحزن"، لأنه لا يرى سببًا لوقف التدريس بمادة تعمل على بناء عملية التفكير، فلا يُمكن أن يتخرج طالب ثانوي دون تعلّم أساسيات البناء الفكري.
يستنكر نبيل أيضًا سبب دراسة الشعبة الأدبية لمادة الإحصاء "طالب أدبي معندوش رغبة في دراسة الرياضيات، وغالبًا هربان منها، ليه يدرس إحصاء مش فلسفة؟". يطول نبيل وجميع مدرسي الفلسفة المأزق الحالي الناتج عن حذف الفلسفة للشعبة الأدبية، فبعد أن كان مدرسًا لثلاثة صفوف، أصبح يدرس الصف الأول الثانوي فقط، لكنه حتى الآن لا يعرف إن كان سيؤثر ذلك على راتبه الحكومي أم لا، غير أنه قرر الاهتمام بوضع أساسيات الفلسفة وطريقة التفكير، حتى وإن كانت فرصته هو التدريس لصف واحد.
ويُعلّق تامر شوقي -خبير تربوي- على أزمة مدرسي الفلسفة والمنطق، قائلًا إن القرار مناسب بهدف التخفيف من على الطلاب، فيما يرى أن إعادة هيكلة المرحلة تناسب الطلاب وتُبعدهم عن ضغط دام لسنوات، وأن أزمة بعض المدرسين تكمن في الدروس الخصوصية، التي ستتأثر بنسبة 80% حسب ما وصف، مما سيؤثر على دخل المدرسين.
ويكمل شوقي أنه من الضروري تعامل مُدرسي الفلسفة والمنطق مع الرؤية الجديدة، كما يرى أن العلوم الإنسانية يمكن التخصص فيها من خلال أقسام الكليات، ويكفي تدريسها لعام واحد.
مستقبل أقسام الفلسفة.. ومصير الخريجين
من داخل مباني جامعة حلوان، يجلس أنور مغيث على مكتبه -أستاذ الفلسفة بكلية الآداب- يحاول فِهم الخطة، وسبب عدم وجود توضيح لحيثيات حذف مادة الفلسفة من الصف الثاني والثالث الثانوي، لأنه على معرفة بتوقيع مصر اتفاقية دراسة الفلسفة عالميًا من قبل اليونسكو-منظمة العلم والثقافة في الأمم المتحدة- في عام 1951، فبحسب التوقيع لا يمكن إلغاء الفلسفة من المنهج، يمكن فقط تحجيمها كما حدث في الخطة.
ويُعقّب مغيث على ذلك التحجيم بقوله أنه ارتأى أهمية تدريس الفلسفة في الصف الثالث قبل الانطلاق للحياة الجامعية، وضرورة تدريسها لكل فئات الشعب حتى تبني فكرًا ووعيًا، لكن هذا التحجيم-والحديث لازال لمغيث- سيجعلها مادة مُهمشّة، دون اهتمام حقيقي وجاد من الطلاب، وبالتالي عدم الاهتمام بأقسام الفلسفة في الكليات.
ويتوقع مغيث أن أقسام الفلسفة قد تتأثر مستقبلًا بسبب القرار، لأن تخصص الفلسفة بالأساس غير جاذب لغالبية الطلاب "لكن بعض الطلاب يختاروها بسبب تعرفهم عليها خلال المرحلة الثانوية”.
لم تختر إنجي ياسر قسم الفلسفة، بل كان قدرها رغم أنها كانت في الشعبة العلمية، بسبب مجموعها في شهادة الثانوية العامة، لكن بعد العام الأول اهتمت أكثر بالفلسفة، بحسب قولها، وتمنّت لو درستها في المرحلة الثانوية، فيما نجحت في الحصول على تقدير جيد جدًا خلال 4 سنوات، خاصة أنها تقبّلت الأمر، وقررت التركيز في الكلية والاستعداد لسوق العمل في تدريس المادة.
لم يُمهل القدر إنجي مرة أخرى، إذ تفاجئت بإعادة هيكلة الثانوية العامة بعد تخرجها من القسم بثلاثة أشهر، في وقت أُغلق في وجهها أبواب العمل بالمدارس الحكومية بسبب رفضهم لتعيين الخريجين،مُتوقعة قرارات مستقبلية مُتعلقة بتقليل أعداد مُدرسي الفلسفة لأنها أصبحت مادة لعام دراسي واحد، ويمكن أن يُدرسها مدرس واحد أو اثنان فقط.
وفي ظل تضييق المجالات المُتاحة أمامها، تبحث إنجي الآن عن عمل في مجال خدمة العملاء "كول سنتر"، لأنه المجال التي ترى أنه الأكثر قبولًا لخريجي الجامعات.