بين خميس وآخر، يختلف تاريخهم، يظل المشترك بينهم هو صدور قرارات، تتسبب في تغير ميزانية العديد من الأسر، أو تغير نمط الحياة كليًا، في صباح إجازة هادئ يوم الخميس الموافق 25 يوليو الماضي-بمناسبة ثورة يوليو- كان المواطنون على موعد مع ارتفاع أجرة المواصلات العامة نتيجة قرار زيادة سعر المنتجات البترولية، في ثاني زيادة لها خلال عام.
تلك الزيادة لاحقتها رفع سعر تذاكر مترو الأنفاق، في ضربة أخرى تلقاها المواطنون صباح الخميس الذي يليه، إذ وصلت أعلى فئة لتذكرة المترو 20 جنيه، وأقل فئة 8 جنيهات، الأمر لن ينتهي عند ذلك الحد، بل لاحقها زيادة في سعر القطارات بنسبة 12.5% لكل الدرجات.
الاستغناء سيد الموقف
في قطار مُتجّه نحو صعيد مصر، تفتقد سامية عبد الحافظ -أستاذة جامعية في جامعة بني سويف- القطار المكيف، تحديدًا التالجو الإسباني، التي استغنت عنه بسبب ضعف الميزانية الخاصة بها، واحتلال مصروفات المواصلات الجزء الأكبر منها "بتاخد تقريبًا 20% من المرتب"، تستقل سامية القطار ثلاث مرات أسبوعيًا، ومنذ ارتفاع سعر تذاكر القطارات في يناير الماضي، وميزانية رحلة سامية من القاهرة إلى بني سويف مُتأثرة بشدّة.
استبدلت سامية التالجو الإسباني بالقطار الروسي، حتى توفر فارق السعر بين الدرجات لدفع أجرة المواصلات الأخرى التي تركبها أيضًا، فمن منزلها إلى محطة مصر بالجيزة، ثم من محطة قطار بني سويف إلى الجامعة، تستقل الميكروباص التي ارتفعت أجرته أيضًا.
لا مفرّ من ميزانية رحلة السفر، إلى جانب ذلك تشعر سامية بالتهديد بسبب كابوس الزيادات وتأثيره على ميزانيتها، بينما تحاول تدبير رحلتها داخل القاهرة، وتضغط مشاوير الأسبوع في يوم واحد، حتى تُوفّر مصروفات المواصلات، إلى جانب أنها توقفت عن المشاركة في الأنشطة الثقافية وحضور ندوات كل أسبوع، واختارت المشاركة كل أسبوعان أو أكثر، بعد ما كانت لا يفوتها حدث ثقافي، كل ذلك لتقليل نفقات المواصلات.
سيارات خاصة مهجورة
منذ أسبوع توقف عبد الرحمن أحمد عن ركوب سيارته الخاصة، حيث بقيت في الجراج مهجورة يغزوها الغبار،وذلك بسبب زيادة سعر البنزين الذي أصبح راتبه لا يتحمله-وصل سعر لتر بنزين 92 إلى 12.50 جنيهًا- اضطر أحمد إلى استقلال المواصلات العامة، أو "السكوتر" التي تُوفّرها تطبيقات التوصيل الشهيرة، كحلّ لوصول أسرع وبتكلفة أقل.
بعد مرور أسبوع من قرارات أحمد، أعلنت شركات تطبيقات التوصيل عن رفع سعر رحلتها بنسبة 80%، نتيجة لرفع سعر البنزين، مما أشعر أحمد بالغضب الشديد، فقد سعى لسنوات للوصول إلى اختيارات أكثر راحة تُسهّل عليه روتين الحياة اليومية، من بينها المواصلات، وذلك من خلال رفع مستواه المادي وزيادة كفاءته في العمل.
يرى أحمد سير حياته الآن الذي حاول جاهدًا إلى رفع رفاهيته، يتحطّم على صخور زيادة أسعار البنزين، ولن ينتهي الأمر عند ذلك الحد، فسيناريو الزيادة الملاحقة يتكرر، والضربات لا تتوقف، حسب وصفه، "مش بنلحق نفوق من زيادة، نتفاجئ بزيادة جديدة، وحتى أول ما تتأقلم على وضع واختيارات بنتفاجئ أنها تغيرت بعدها بوقت قصير".
ويُذكر أن الحكومة المصرية أعلنت أن الدعم سيُرفع تدريجيًا عن المواد البترولية، بعد وضع خطة متكاملة حتى عام 2025.
"حِمل زيادة"
الخميس الماضي تفاجئت م.س من رفع سعر تذكرة المترو الخاصة بكبار السن، إذ وصل سعر الفئة الأعلى إلى 10 جنيهات، كانت خبر الزيادة ذو وقع سيء على السيدة الستينية ، لأنها توقعت أنه لا مساس بتذاكر كبار السن وذوي الإعاقة تحديدًا، لذا اضطرت السيدة من استقلال الميكروباص-رغم عدم مناسبته لها في عمرها- حتى تتمكن من زيارة أولادها وأحفادها.
وفي موقف ميكروباصات "المطبعة" بمنطقة دار السلام، ارتفع سعر الأجرة في أغلب الخطوط بحوالي نصف جنيه، للهرم والجيزة والسيدة زينب والمحور والمعادي، لتلك الخطوط جمهور خاص يستخدمها بشكل يومي للعمل أو الدراسة، فبدأت جنا عبد المقصود الدروس الخصوصية للصف الثالث الثانوي، وتستخدم الميكروباصات بشكل يومي، بسبب تواجد الدروس في أماكن تبعد عن دار السلام.
أغلب دروس جنا تقع في منطقتي المعادي والسيدة زينب، وتنفق الفتاة أكثر من نصف مصروفها على المواصلات وسعر الحصة، بينما تتمنى أن يتوقف كابوس الزيادات المستمر، لأنها تشعر بالذنب تجاه أسرتها التي تتحمل تلك التكلفة.
وتحاول البحث عن حلول لتقليل التكلفة عليهم، لكن زيادة سعر البنزين تعني رفع سعر المواصلات والطعام، ثم زيادة سعر حصة الدروس الخصوصية، أي أن سلسلة الزيادة لن ينتهي بزيادة سعر البنزين فقط.
أمنية انتهاء كابوس الزيادات، لم تكن أمنية جنا فقط، بل اتفق م.س و أحمد وسامية عليها، آملين في ظروف اقتصادية آدمية، فتُنهي سامية حديثها قائلة "أنا حزينة من الوضع الحالي، لأنه بيضرب في كرامة الإنسان"، إذ لا تتمنى السيدة ظروف اقتصادية مثالية، بل وقف ضربات الزيادات المتتالية وملاحقة لبعضها، لأن "3 خبطات في الراس توجع"، بحسب وصف م.س.