مع تخطّي درجات الحرارة إلى 40 أو أكثر من ذلك، تُعدّ الفواكه ملجأ "مُرطّب" على القلوب، يُثلج صدور الناس وسط رطوبة لا تتوانْ عن إشعارهم بلهيب يشتدّ، وأصبح من المألوف أن تكون تلك الثمرة هي البطيخ، إلا أن موسم الصيف الحالي حلّ بدخول مُفاجئ للمانجو.
خلال موسم الصيف الحالي تخطّى سعر البطيخة الواحدة الـ50 جنيه، فيما انخفض سعر المانجو على غير العادة، وبعدما كانت فاكهة "عزيزة"، إذ إنها تظهر عادة في شهر أغسطس، انتشرت في الأسواق منذ يوليو الحالي، وتراوح سعر الكيلو فيها-حسب النوع- بين 20 إلى 40 جنيه، فلجأت العديد من الأسر إلى اعتبارها فاكهة بديلة تُناسب "الجيب"، وتُحقق غرضها في ظل درجات الحرارة المرتفعة.
من السوق إلى البيت
يُفضّل عبد الرحمن مالك -22 عام- المانجو من نوع الفص، ويعتبر ضمن الأغلى سعرًا، غير أن مالك لاحظ أن سعر "الفص" الحالي أقلّ من الأعوام الماضية، إذ انخفض من 40 جنيه إلى 25 جنيه، فزادت سعادته، ورُبما سامح فصل الصيف على ارتفاع درجات الحرارة فيه لهذا العام بسبب رُخص سعرها.
اعتاد مالك على شراء والده للمانجو سنويًا من مزرعة صديقه بالإسماعيلية، إذ يشتريها بسعر الجملة، وتكون جودتها أفضل من المطروح بالسوق، لكن والدها اشتراها هذا العام من السوق بسبب توفرها بكثرة.
تُنتج مصر حوالي 1.3 مليون طن مانجو سنويًا، وبموجب تقرير صادرات مصر للمانجو والجوافة في عام 2022 بهيئة الصادرات المصرية، وصل حجم الصادرات نحو 2.6 مليون دولار، ومن عام 2015 حتى 2019 اعتبرت السعودية أعلى دولة تستورد المانجو من مصر، يليها إيطاليا، وإلى جانب السعودية، فمن الدول العربية التي تستورد محصول المانجو من مصر، قطر وسلطنة عمان وليبيا والإمارات، البحرين والكويت والأردن، وأخيرًا لبنان.
للتخزين أخيرًا
كل عام تُخزّن وفاء محمد -ربة منزل- المانجو، لتوفير عصير لزيارة الضيوف وشهر رمضان، كعادة أغلب ربات المنزل، إلى جانب حب أطفالها للمانجو، لكن بعد 2020 ارتفع سعرها بشكل لا يسمح بالتخزين، لأنها تحتاج إلى قرابة 7 كيلو للتخزين، أي قُرابة 300 جنيه، لذلك قررت توفير عصائر بشعر أرخص مثل البرتقال.
لكن الأمر اختلف في صيف 2024، تجددت عادة تخزين المانجو لدى وفاء، إذ أنها حفظت لديها نفس الكمية المعتادة بنصف التكلفة، أي 140 جنيه، وتوفرت في منزلها كمُنقذ بعد يوم حر طويل.
وسادت المانجو كبطل لمقاومة الحرّ، بينما كان الُمنقذ في السنوات الماضية البطيخ، لكن ارتفاع سعره لهذا العام قلل من شرائه، فرحت وفاء بتوفر المانجو كثيرًا "بقالنا سنين مفكّرين إن المانجة دي لناس تانية مش لينا، دي كوباية عصير المانجا كانت وصلت 50 جنيه عند أي محل".
سبب الوفرة: ارتفاع درجات الحرارة
لاحظ فادي إبراهيم -بائع فاكهة بدار السلام- أن نسبة الشراء على المانجو تضاعفت عن الأعوام الماضية، مُقارنة بنسبة الشراء على باقي الفاكهة التي لا تتعدّى الـ 30% خلال اليوم، ووصل الطلب اليومي على البطيخ لزبون أو زبونين فقط، فيقول إبراهيم إن سبب انخفاض السعر زيادة طرح المحصول بكثرة هذا العام، فذلك ما يقوله التجار له، بينما لم يعرف السبب الحقيقي.
لكن بحسب سنوات خبرته في المهنة، فيرى أن ارتفاع درجات الحرارة ساعد على نُضج الثمرة أسرع، مما زاد من مبيعات السوق بسبب إقبال الزبائن عليها الذين يحتاجوا إلى فاكهة بسعر جيد في ظل ارتفاع أسعار أغلب السلع.
تُعتبر محافظة أسوان أحد أهم المحافظات الرائدة في زراعة المانجو، إلى جانب محافظات الإسماعيلية والشرقية والفيوم، ومن أسوان تحديدًا بمركز الحجناية، يملك حمدي بدري مزرعة لأشجار المانجو، ويوضح بقوله إن سبب وفرة المحصول زيادة حركة زراعة تربة جديدة في أسوان، مما دفع عدد من ملاك الأراضي لتحويل أرضهم لزراعة المانجو، إلى جانب باقي المحاصيل الأسواني.
ومن العوامل الأخرى التي ساعدت على وفرة المحصول؛ ارتفاع درجات الحرارة الذي ساهم في نضج المحصول سريعًا، فقد اعتاد مُزارعو أسوان عن الموعد السنوي المعتاد بداية من 20 يونيو، لكن هذا العام بدأ الحصاد من نهاية شهر مايو، ونزل المحصول للسوق قبل عيد الأضحى في منتصف يونيو.
ويتفق حسين عبد الرحمن، نقيب الفلاحين، الشهير بـ"أبو صدام"، مع بدري في أن التغيرات المناخية أو ارتفاع درجات الحرارة هي السبب، بحسب ما قال في حديثه لـ"صوت السلام"، مُوضحًا أن كل أنواع المانجو نضجت في نفس الوقت، بإجمالي 300 ألف فدان على مستوى الجمهورية، مما أدى إلى تشبّع الأسواق مرة واحدة.
ولفت أبو صدّام النظر إلى أن الموسم الاستثنائي الحالي رُبما لا يتكرر مرة أخرى، وأشار إلى أن حالة السعادة بإنتاج المانجو لم تكن عند التجار، بسبب نقص المبيعات، نظرًا لانخفاض الأسعار، لكنه يتوقع احتمالية أن التصدير يُعدل الكفّة، موفرَا العملة الصعبة للبلاد.
يتعامل بدري مع "شوادر" بأسوان، في بيع محصوله كل عام، وتلك "الشوادر" توفر المحصول لباقي الأسواق الكبري في مصر، سفرًا إلى سوق العبور في القاهرة، وصولًا إلى محلات بيع الفاكهة في دار السلام التي يُقبل عليها أهالي المنطقة كعزاء للهيب الصيف الذي لا يرحم.