في طابور شراء "العيش" بأحد مخابز دار السلام، ساد الوجوم على أوجه الحاصلين على الدعم الحكومي، فالخبز ارتفع سعره ثلاثة أضعاف مرة واحدة، بعد إعلان فاجأ به مجلس الوزراء المصريين الأربعاء الماضي، عن رفع سعر الخبز المُدعّم من 5 قروش إلى 20 قرش للرغيف الواحد، الذي يُعدّ أحد العناصر الرئيسية فى وجبات ملايين المواطنين.
ورفع مجلس الوزراء سعر الخبز المدعم من 5 قروش إلى 20 قروش للرغيف الواحد، وبدأ تطبيقه منذ بداية شهر يونيو الجاري، بعد ثبات سعره منذ عام 1988.
وبررت رئاسة الوزراء في مؤتمرها الصحفي رفع سعر الخبز أنه بهدف تقليل الأعباء المالية على الدولة بسبب الفارق بين سعر الإنتاج وسعر البيع، وقالت أن تكلفة الإنتاج تبلغ 125 قرش لوزن 90 جرام بحسب ما يطرح شعبة المخابز في مصر، وسعر البيع 5 قروش.
وفي الوقت الذي تبُرر به الحكومة رفع سعر الخبز بارتفاع سعر الصرف وثقل ميزانية الدعم عليها، يشكو المواطنين من أنهم "الخاسرون" الوحيدون، في ظل عدم زيادة الرواتب أو دخولهم الشهرية بنفس النسبة، وعدم وجود سياسات في الوقت نفسه تُلزم أصحاب العمل كي تتناسب الرواتب مع ارتفاعات الأسعار.
"حتى العيش بيزيد سعره!"
كانت مادونا عماد-ربة أسرة- أحد الواقفين في الطابور، جاءت إلى المخبز بعدما اكتشفت صباحًا نفاذ أرغفة "العيش" في منزلها، ولأنها تعتمد عليه وأسرتها كأحد العناصر الرئيسية في الوجبات خصوصًا الإفطار، أخذت البطاقة واتجهت إلى المخبز الأقرب لمنزلها، حتى تشتري حصتها اليومي بالسعر الجديد.
تستهجن مادونا القرار الجديد قائلة: "احنا 3 أفراد لأن باقي أولادي متجوزين، وباخد دلوقتي 15 رغيف بـ3 جنيه كل يومين، وكنت في الأول باخد الـ15 رغيف بـ75 قرش".
لا تكفي بالأساس الـ15 رغيف أسرة مادونا، وفي كل الأحوال كانت تحتفظ ببواقي الأرغفة في الثلاجة، تعلق: "طب احنا نعمل ايه لما العيش اللي هو أبسط مُتطلبات الحياة بيزيد سعره!".
خلال انتظار مادونا في طابور المخبز، وحديثها عن غلاء سعر الرغيف، تسألها إحدى السيدات التي دخلن المخبز لتوّهن: "هو العيش بقى بريال؟"، ترد مادونا بـ: "نعم"، ليقع الخبر كالصاعقة على السيدة، فيما تغيّرت أمارات وجهها إلى الحزن، وبدا عليها أنها كانت تظن أن شائعة.
البعض لا يزال يعيش على أمل تغيير القرار!
يُشير محمود صلاح، مسئول مخبز وصاحب منفذ "جمعيتي" لرصف التموين، أن منظومة التموين وعلاقتها بالنقاط المتبقية من الخبز لن تتأثر، فالتأثير الوحيد على مستهلكي الخبز لأنهم سيدفعون ثلاث أضعاف المبلغ الشهري، مما يُشكّل ميزانية مرتفعة للخبز في النهاية تحت إطار الدعم.
وقد لاحظ محمود أن ردود فعل المستهلكين خلال الثلاثة أيام منذ تطبيق القرار، تراوحت بين مشاعر الغضب والتساؤل عن الحلول، فالبعض لا يزال يعيش على أمل تغيير القرار أو وضع حل من قبل الحكومة، بحسب وصفه.
وبحسب الموازنة السنوية للعام المالي 2024\2025، خصصت وزارة المالية 125 مليار جنيه لدعم الخبز خلال هذا العام، بينما كانت ميزانية الخبز في العام الماضي 130 مليار دولار، وبذلك تكون قد انخفضت الميزانية 5 مليار جنيه، مقابل رفع سعر رغيف الخبز ثلاثة أضعاف سعره الأصلي، على نحو 70 مليون مواطن حاصل على حصة الخبز المدعم على مستوى الجمهورية.
قليل وغالي!
بجانب المخبز تجلس منى إبراهيم، ربة أسرة، تسأل المتواجدين "ممكن تديني خمس أرغفة؟"، فبسبب انتهاء الخبز بمنزلها في يوم لم يكن يوم الصرف، تقول: "مش معايا فلوس أجيب العيش السياحي، وميزانيتي متتحملش أشتريه كل يوم"، وتُوضّح منى سؤالها "عادة لما بصرف عيش لو حد طلب مني بديله، دي حاجة كل الناس بتعملها في الفرن، بس أنا مش راضية عن القرار ولا أني أكون بشحت العيش بالشكل ده، المفروض يتصرف لي كل يوم بدعم ومبلغ مناسب، بالذات الأسر اللي عددها 5 أفراد، دلوقتي العيش قليل وغالي".
كان حظ شيماء محمد عثرًا، فمنذ أسبوع فقدت ربة المنزل بطاقة التموين، وبسبب ذلك اضطرت لشراء العيش السياحي الذي يبلغ سعر الرغيف فيه 150 قرشًا لوزن 80 جرامًا. واليوم ذهبت شيماء إلى المخبز لتعرف الإجراءات في حالة فقدان بطاقة التموين، لكنها وجدت تعقيدًا في الإجراءات سيجعلها تستغرق وقتًا طويلًا حتى تتمكن من استلام بطاقة جديدة.
وفي خلال السبعة أيام الماضي، صرفت شيماء حوالي 420 جنيه في الخبز السياحي، فيما لا تتحصل السيدة على دخل شهري سوى معاش زوجها البالغ 3 آلاف جنيه، بينما تتوقع أنه حتى بعد استرداد البطاقة ستدفع مبلغ لا يُناسب المعاش التي تحصل عليه بسبب رفع سعر الخبز المُدعّم، وستحتاج إلى شراء الخبز السياحي أيضًا.