قلوب أحرقها الشوق.. مُريدو السيدة زينب على باب الضريح بعد تجديده

تصوير: دينا عبد العزيز - مريدو السيدة زينب بعد التجديد يزورون الضريح والمقام

كتب/ت دينا عبد العزيز
2024-05-13 14:14:40

"يا سيدة زينب\ يا زهرة الوادي\ راضينا يا أمي من بابك العالي\ يا أم الحسن انتي\ أم الحسين انتي".. على باب مسجد السيدة زينب ردد مُريدوها الابتهالات والتواشيح فرحًا بافتتاح المقام والضريح، أمس، على يد الرئيس عبد الفتاح السيسي، بعد الانتهاء من أعمال التطوير، وذلك بحضور سلطان طائفة البُهرة بالهند، مفضل سيف الدين. 

وفي نوفمبر 2022 أعلن حي السيدة زينب عن خطة لتطوير وتجديد الحي بالكامل، ومن بينه مسجد السيدة زينب، الذي افتتحته وزارة الأوقاف أمام المصلين في 29 مارس الماضي، ولم يبْق في النهاية سوى الضريح والمقام المُفتتحين أمس الأحد.

ويُعدّ تجديد مسجد السيدة زينب ضمن مشروع تطوير وترميم مساجد آل البيت؛ الذي يضمّ مسجد الإمام الحسين والسيدة فاطمة والسيدة رقية والسيدة سكينة والسيدة حورية والسيدة نفيسة والسيد أحمد البدوي بطنطا، ولاقى المشروع حتى الآن انتقادات من أثريين ومعماريين بسبب تغيير وتشويه ملامح المساجد بحسب رأيهم. 

لم تسْع الفرحة مريدو السيدة زينب، فبقوا على الأبواب حتى فُتحت لهم. بعد عامين من الاشتياق، ملأ الدراويش ساحات مسجد السيدة زينب، وأعلنوا عن فرحتهم بالزغاريد والابتهالات وتوزيع الحلوى، مُرتدون الأوشحة الخضراء والسبحة الكبيرة حول الرقبة، وممسكون الورود التي علّقوها حول مقام السيدة، كما نشروا رائحة المسك في الأجواء. 

وكشف مصدر بوزارة الأوقاف في تصريحات لوسائل إعلام محلية، بعض المعلومات التي تتعلق بتجديد الضريح والمقام، إذ يصل وزن الفضة بالمقام إلى ما يزيد على 3.2 طن من الفضة الخالصة من أعلى نسبة نقاء تصل إلى 99.99%، بينما يصل وزن الذهب 16 كيلوجرامًا من الذهب عيار 24، وفقًا لصحيفة الأهرام.

وفي الداخل عند ضريح أم هاشم الذي علَته عتبة مُزخرفة مُذهبة وقفت مسعدة عبد المنعم، 70 عامًا، تدعو فرحة بزيارة بنت علي بن أبي طالب مُجددًا، وتقول في حديثها لـ"صوت السلام": "يناديها البعض بالطاهرة ويطلبوا منها أن تدعي لهم حتى يفكّ الله كُربتهم". 

اعتادت مسعدة زيارة أضرحة أولياء الله الصالحين منذ 20 عامًا، ومن بينهم ضريح السيدة زينب، لتدعو وتُغني التواشيح، تتحدث وعلى شفتيها ابتسامة تُنير وجهها "أحب زيارة آل البيت لأني كلما دعوت الله من هناك تُستجاب دعواتي"، وتدعو دائمًا بالستر وبأن يبعد الله عنها الظالمين والفاسدين. 

لا تكتفي مسعدة بالدعاء لنفسها فقط، بل أن رؤيتها تُثير في نفوس من يراها الودّ، ويُلقي محبتها في قلوبهم، فتقول إن البعض يطلب منها أحيانًا الدعاء لهم ولإخوانهم وأولادهم، مُضيفة "الله جعل في وجهي القبول، لذلك يراني الناس مُقربة منه بسبب كثرة زيارتي للأضرحة". 

اختارت السيدة زينب ابنة علي بن أبي طالب الإقامة في مصر، بعد مقتل أخيها الحسين، ووصلت عام 61 هجرية، واستقبلها أهل مصر استقبالًا لا مثيل له حُبًا في جدها النبي محمد.

ووهبها والي مصر في ذلك الحين قصره كله للإقامة فيه، لكنها اكتفت بغرفة واحدة، جعلتها مكان تتعبد فيه، ,بعد أقل من عام توفّت السيدة زينب، وقيل إنها وصّت بأن يتحول القصر إلى مسجد، وبالفعل دُفنت السيدة زينب في الغرفة التي سكنت فيها، وتحول القصر إلى مسجد. 

ولا يُعرف على وجه التحديد متى أنشئ المسجد على قبر السيدة زينب، لكنه جُدد عام 1547 ميلادية، ثم أعاد تجديده الأمير عبد الرحمن كتخدا عام 1768، وفي عام 1940 هدمت وزارة الأوقاف المسجد القديم، وأعادت بنائه للشكل الحالي عليه. 

نورك يا ست

لم تتوقف الزغاريد ولا غناء التواشيح لحظة واحدة، فالوجد نال من قلوب مُريدي السيدة، وسرت في الأجواء رائحة مسك قوية وأصوات المُبتهلين تردد "مدد يا ست"، فيما ارتكنت زينب محمد، 30 عامًا، جانبًا بجوار المقام الذي جُدد بالأحجار الكريمة، وأخذت تردد "روح للمشيرة وقولها ماما بحبها\ يا ست نورك من الحسين واصل لحد السيدة"، ولم تنْس إحضار الورود الحمراء معها لتعلقها حول المقام. 

لا تجد زينب وصفًا أفضل من الأغاني للتعبير عن مدى حبها للسيدة التي تسمّت باسمها، فعلى حد قولها إن حبها لأم العواجز نابع من القلب ولا تتظاهر به، والسبب في ذلك "نحبها لأنها صبرت كثيرًا في حياتها وتُعلمنا الصبر"، فالسيدة زينب رأت في حياتها العديد من الفواجع، كان أولها وفاة أبيها علي، ثم أمها فاطمة الزهراء، ومن بعدها أحداث كربلاء ومقتل الحسين. 

ما إن تلقّت زينب خبر افتتاح المقام أسرعت لزيارة السيدة، حيث تقول "اعتادت على زيارتها وعندما أغلق المقام كأن الدنيا أغلقت في وجهي، لأني أشعر براحة كبيرة هنا"، واعتادت السيدة الثلاثينية على زيارة المقام بعد انتهائها من عملها كل يوم، وتضيف "آتي إلى هنا لأفرغ طاقتي السلبية". 

نبت حُب آل البيت في قلب زينب منذ صغرها، فقد اعتادت على القدوم برفقة جدها "عائلتي كانت دائمًا ما تصطحبني إلى هنا، وسميت على اسم السيدة المشيرة".

قلوب مُعلّقة 

 

وقفت فاطمة محمد، 40 عامًا، تستقبل زوار المقام بتوزريع الشيكولاتة، فاليوم بالنسبة إليها عيد لأنها اعتادت زيارة المقام برفقة أطفالها طوال الوقت، ومن بين من منحتهُن الشيكولاتة كانت رقية-اسم مستعار- التي تُحب أن يدعوها الناس بـ"خدامة أهل البيت". 

حُب الأضرحة بالنسبة لرقية كان طبيعيًا، فما إن فتحت عينيها على الدنيا وجدت والدها شيخ من شيوخ الطريقة الرفاعية، ومن بين أخواتها الذين تربوا على البيات بجانب الأضرحة، ظلّ قلب رقية مُتعلقًا بهم دونهم، إذ تقول: "إخواتي بعد ما كبروا لم يُفضلوا الذهاب باستمرار، لكني استمررت على زيارة الأضرحة"، حيث تتردد رقية على العديد من الأضرحة داخل القاهرة وخارجها، فيما شعرت بخنقة شديدة حالما علمت بغلق المسجد منذ عامين. 

حُب آل البيت غير مُقتصر على المصريين فحسب، فمن بين المُريدين الذين جاؤوا ليُملّوا أعينهم من مقام السيدة كان حيدر تيام الذي استقر في مصر منذ نزاعات السودان في 2023، وقد اعتاد على السفر قبل الحرب لزيارة مقامات أهل البيت، ومنذ استقراره في مصر كان تيام في شوق شديد لرؤية السيدة زينب، وما إن فُتحت الأبواب حتى اتجه تيام إلى ضريح المشيرة داعيًا الله أن يفكّ كربة السودان، وأن يجعلها آمنة ومستقرة. 

تصوير: دينا عبد العزيز - مريدو السيدة زينب يدخلون الضريح بعد تجديده