في السادسة مساءً، كان الجميع على موعد مع حديث عن الحرب، تلك التي يدور رحاها في السودان وفلسطين، ولم يكن بأفضل من الروائيين حمور زيادة وإبراهيم نصر الله للمناقشة حول أبعادها، في جلسة بعنوان "القاهرة تحكي مدنًا.. أم درمان ورام الله تتحدثان"، ضمن إطار البرنامج الثقافي لمهرجان التحرير، أمس الأحد.
كانت الندوة مميزة، حيث بدا الوشاح الفلسطيني داخل المشهد بقوة، كما كان حضور الندوة من العائلات السودانية بارزًا، وفي بداية الجلسة افتتح النقاش المنسق الثقافي، مصطفى الطيب، بشكر خاص للكاتبان والشاعران، وتحدث سريعًا عن الحرب السودانية التي بدأت في أبريل الماضي بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، والعدوان الإسرائيلي على غزة بعد 7 أكتوبر الماضي، إلى جانب موضوع الجلسة الذي يركز على القاهرة كملاذ للكُتاب السودانيين والفلسطينيين لسرد وحكي عن مدنهم.
الكتابة تُعيد إحياء المدن
"ما قبل الحرب".. افتتح الطيب المُناقشة بتساؤل حول الكتابة عن السودان وفلسطين قبل الحرب، كان رد نصر الله أن جزء من إحياء هذه المدن هو الكتابة عنها، لأن كل طرق الاحتلال لمحو تاريخنا تعتمد على محو المدن وتدمير المباني وقتل الشهداء، لكن الكتابة عن فلسطين يُعيد إحياءها، بحسب قوله، وعقّب على حديثه مُعلقًا بجملة تبعها تصفيق من الجمهور "عندما نكتب عنها لا يستطيعوا تدميرها مرة أخري"، فيرى نصر الله أن الكتابة هي طريقة للعودة للديار مُجددًا لأن "الفلسطيني لم يتوقف عن العودة مرة أخرى" عبر الانتفاضات أو المقاومة.
بينما ردّ زيادة على السؤال، بأنه يحاول دومًا بناء مدينته مرة أخرى داخل مدينة جديدة؛ وهي القاهرة، التي عاش فيها لمدة 10 سنوات، عندما كانت القاهرة منفى سياسي اختياري، حسب وصف موقفه السياسي وقتها، ويضيف أنه لا يعرف إن كان لديه فرصة لزيارة السودان مرة أخرى تحديدًا بعد الحرب، لكنه يستمر بالكتابة عنها.
مع اندلاع الحرب في السودان وقصف غزة، لم يتواجد الكاتبان خلال تلك الفترة، فيما ذكر زيادة مشهد العازفين الشهير بفيلم "تيتانيك"، وقال إنه لم يرى له معنى قبل الحرب، إلا أن نظرته اختلفت بعدها، إذ شبّه نفسه بواحد من هؤلاء العازفين، فالكتابة بالنسبة له مثل العزف، وهو مستمر بالكتابة لأنها القوة الوحيدة التي يملكها، خاتمًا حديثه بقوله "لدي واجب أكبر، أريد أن أجعل هذه المدينة حية رغم الحرب".
القاهرة داخل السرد الروائي
تختلف تجربة نصر الله عن زيادة، المولود بالأردن في الأساس، لأنه يشعر في تكوينه وهويته بأزمة غياب الوطن طوال الوقت، إذ قال "أنا شخص كلي نقصان.. لا شخص كامل دون الوطن"، فيما جاءت أحداث السابع من أكتوبر لتُأجج هذا الإحساس، مما دفعه للعودة لإيمانه بقوة الكتابة خلال الحرب، بعدما لاحظ أن الجميع صار يفهم ما يحدث في فلسطين بسبب قوة الحديث عنها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهو ما يختلف تمامًا عما حدث في الانتفاضة الأولى والثانية.
بعد ذلك تحدث الكاتبان عن القاهرة التي يعتبرانها المقر بعد التهجير، حيث قام الإثنان ببناء حياة جديدة داخلها تُدعم مسيرتهما في الكتابة، ليس ذلك فحسب، بل أصبحت القاهرة جزء أصيل متضافر في العديد من أعمالهما.
حضر عددًا من السودانيين الجلسة، من بينهم أسرة مريم عادل، 22 عام، سودانية انتقلت إلى القاهرة في يوليو الماضي بسبب الحرب، قررت الحضور لحبها لكتابات حمور زيادة عن السودان، وموضوع الجلسة الذي يلمس تجربتها، وتصف مريم الجلسة بأنها حميمية، "لأن حمور رجّع لي تفاصيل السودان، كمان اهتميت أشوف الجانب الفلسطيني وازاي قادرين يتعايشوا بعد الحرب، لذلك أتمني أن يعملوا فعاليات أكتر تساعدنا نتجاوز اللي حصل بعد الحرب".
فيما أضافت الندوة الكثير لنهى عبد الفتاح، وهي قارئة مهتمة بالقضية الفلسطينية، فقد تعرفت على تجربة الكُتاب اللاجئين وكيفية الكتابة عن أوطانهم رغم بعدهم جغرافيًا عنها، إلى جانب التعرض إلى فكرهم ومقابلتهم بشكل مباشر بعد سنوات من قراءتها لأعمالهم.
حضر ولاء كمال الندوة لاهتمامه بموضوعها، خاصة أنه طالب ماجستير في الأدب العربي بالجامعة الأمريكية، وأضاف النقاش له أبعادًا لم يكن على علم بها، وتساعده أيضًا في رحلته بالكتابة والماجستير.
لم يكتب كمال حتى الآن عن الحرب لأنه يرى "البعض يحتاج وقت لفهم الأحداث الدموية الصعبة"، ويعتقد أنه في المستقبل سيكتب عن الحربان بشكل خاص، أو يرصدهم في الأدب العربي كباحث.
على مدار ساعة تبادل زيادة ونصر الله الحديث عن بلديهما، وعلى الرغم من انتهاء الندوة إلا أن مرارة الحرب لا تزال عالقة في حلقيهما، وربما خفف عنها الجمهور المتضامن الذي جاء محبة لهما، فيما أعقب انتهاء الندوة توقيع الكتب الخاصة بهما.