رائحة الزيتون تملأ المكان، تطغى على رائحة الكتب القديمة التي عج بها، يرفرف على جانبه شال أبيض مخطوط بالأسود، أضحى علامة مميزة للحرية والحق في الأرض.
هنا جناح دولة فلسطين داخل معرض القاهرة الدولي للكتاب - الذي اختتم فعاليات نسخته الـ55، أمس الثلاثاء، يرفع شعار «أطفالنا ليسوا أرقامًا» في إشارة إلى استشهاد 7 آلاف طفل نتيجة العدوان الإسرائيلي على غزة.
لكل دولة جناح داخل المعرض في صالة 1، وفلسطين كان لديها جناح ممتلأ بالزوار، يتطلعون نحو اللافتات التي خُط عليها أبرز كلمات الشهداء قبل الموت أو في وداع ذويهم، نتيجة القصف العنيف المستمر على قطاع غزة مثل «روح الروح، الأولاد ماتوا بدون ما يأكلوا..»
هديل قدوة، مسؤولة جناح فلسطين بمعرض الكتاب، قالت: «الجناح هذا العام لقى دعمًا وتعاطفًا من الزوار، لذلك اختارنا شعار أطفالنا ليسوا أرقامًا، لأنهم الأهم لتوثيق حياة الأطفال وموتهم نتيجة الإبادة».
أوضحت أن هناك كتبًا عن فلسطين وتاريخها وحكايات القطاع، وشاشات عرض بها تقارير عن أضرار القطاع الثقافي في غزة، وهناك أنشطة أخرى غير الكتب، وهي رسم العلم الفلسطيني على الوجوه للأطفال تحديدًا.
الزوار أيضًا كان لهم طابع مميز، يرتدون الوشاح الفلسطيني، منهم جهاد وشيماء صديقتان جاءوا إلى الجناح الفلسطيني تحديدًا، ويرتدون حقائب ظهر بتصميم علم فلسطين. تقول جهاد: «قررت ارتداء الحقيبة في المعرض لأنها فعالية ثقافية فارقة، ولا يوجد أهم منها منبرًا لدعم فلسطين، وأتمنى أن أقدم أكثر إلى فلسطين».
أما شيماء، قالت: «منذ الحرب وأنا أهتم بدعم القضية الفلسطينية على رأسها المقاطعة، لذلك جئت إلى المعرض وجناح فلسطين والذي يقدم كتبًا عن تاريخ الدولة والأحقية في الأرض للشعب الفلسطيني».
وكان لدور النشر أيضًا دور قوي في دعم جناح فلسطين، يقول محمد سلامة، مسؤولًا بإحدى دور النشر التي تعرض كتب عن فلسطين، أنه قدم خصم 50% على الكتب الخاصة بها، لتشجيع الزوار على القراءة عن فلسطين بعد هذا الحدث الصعب، كما خصص جزء من ربح الكتب التي تحكي عن فلسطين كتبرعات.
جذب جناح فلسطين في المعرض أصحاب الأرض، فلم يكن المصريين فقط هم من يهتمون بالتواجد فيه، ولكن أهالي فلسطين أيضًا. تقول خديجة محمد، 42 عامًا، فلسطينية من خان يونس، أنها تعيش في مصر منذ عامين.
تشتت خي وأشقائها بين مصر وتركيا وألمانيا، وما يجمعهم هو حب القراءة التي وضعها فيهم أبيهم منذ أن كانوا في فلسطين، لذلك هو تنتظر معرض الكتاب كل عام، وتحاول أن تشتري لأطفالها قصصًا بسيطة سواء مرسومة أو مكتوبة عن فلسطين.
تضيف: «فلسطين داخلهم لكنهم لا يتذكرون تفاصيلها بسبب صغر سنهم، لذلك استغل المعرض وتجمع دور النشر للبحث عن كتب لأطفالي حتى يعرفوا أن لديهم وطنًا وأرضًا ستعود يومًا ما».
أما ندى بهاء، فلسطينية، اصطحبت أبناءها إلى المعرض، إذ يعيشون في مصر منذ ثلاث سنوات، ورغم حزنهم على الحرب بسبب استشهاد 20 فردًا من عائلتهم، أصروا على الذهاب إلى جناح فلسطين بالمعرض، وشراء الكتب عنها.
تحلم ندى بأن يكون المعرض القادم للقراءة على أرض فلسطين، ويعود القطاع الثقافي إلى عهده؛ لأن المكتبات قُصفت في غزة، ولا يوجد كتبًا في فلسطين سوى في الضفة الغربية، لذلك ترغب في إقامة مثل تلك الفاعليات الثقافية الهامة في فلسطين.