#جانا_العيد | نشعر مؤخرًا أن هناك شيء ما بات ينغّص فرحة العيد، لأسباب تختلف من شخص إلى آخر؛ في عدة تقارير نقدمها عبر هذا الملف نطرح السؤال من بورسعيد إلى أسوان؛ لماذا بات الحديث عن بهجة العيد مختلفًا على ألسنة عدد ليس بالقليل ممن حولنا؟ وفي الوقت ذاته ما هي البدائل التي نلجأ إليها كي نتجاوز تلك المنغصات، وتستمر ذكريات أعيادنا حتى وإن كانت مغلفّة بالضغوط الاقتصادية أو الاجتماعية أو التكنولوجية.
بالنسبة للستات، لا تمثل مشقة #رمضان في الصيام فقط أو العبادات عمومًا، بل ما يقضونه خلاله تقريبًا من أعمال منزلية شاقة من تحضيرات وجبات الإفطار والسحور مرورًا بإعداد كعك وبسكوت رمضان وانتهاءً بحملة "تنظيف الشقة" التي تقودها أغلبهن في نهاية الشهر.
هنا في دار السلام، تبدو ليلة الوقفة هي الأكثر متعة لدي سيدات دار السلام، مرورًا بصلاة العيد وما يصاحبها من احتفالات قد تحرص أغلبهن ارتداء ملابس العيد فيها، ومن ثم بعض المظاهر التي ترتبط بأول يوم العيد.
فيما عدا ذلك فليس أمامهن الكثير من البدائل المتاحة والمساحات كي تكون لديهن خيارات أكثر من ذلك.
لذا لا تستغرب إذا أخبرتك أن "حنة" ليلة الوقفة، هي العادة الأكثر متعة لدى كثير منهن هنا، وهي التي يطغى تأثيرها على سعادتهن خلال باقي أيام العيد.
"قرطاس، طبق، عجينة الحنة"، تبدأ فتحية حسب الله طقوس وقفة العيد بهذه الأدوات، لترسم بهجة وسعادة للسيدات بمناسبة العيد.
تفتح فتحية محلها الموجود فى شارع الفتح من بعد الفطار يوم الوقفة وتنتظر الزبائن، وهى تعجن الحنة وتسمع تكبيرات العيد، محلها الذي تعمل به ترزية لكنها تحوله إلى مكان لرسم الحنة أيام العيد، وبعد وصول الزبائن، تظل تعمل حتى صلاة العيد واحيانًا لظهر أول أيام العيد، بسبب ضغط العدد وشهرة رسوماتها المميزة.
بدأ رسم فتحية فى مدرستها بأسوان، كهواية ورثتها من والدتها، مثل الخياطة ورسم الحنة، التى حولتهم فتحية إلى مجال لكسب المال فيما بعد، حينما بلغت الاربعين من عمرها، لتقرر أن تفتح محل خياطة ورسم الحنة.
فى 1995، على رصيف محطة مصر، وصلت فتحية وزوجها القاهرة واستقرا في دار السلام، باحثين عن مدينة يتوفر فيها فرص عمل، وجو مناسب لبناء أسرة وفرص أحسن لأولادهم الذين يحلموا بهم.
رسم الحنة وارتباطه بالعيد والأفراح عمومًا ليس غريبًا لدى فتحية التي تعتاد على ذلك من محيطها في أسوان، إلا أنها لاقت اقبالًا متزايد من سيدات الحي، وكأنها مساحة جديدة فتحت أمامهم بين خيارات ليست بالكثيرة، يقمن بها كمظاهر احتفال بالعيد.
ففي حي يعتصر أغلب أبناؤه الضغوط الاقتصادية، تبدو الحنة لسيداته أحد الويائل التي لا تحتاج تكلفة اقتصادية مرتفعة أي أنها "على أد الأيد"، لاهتمامهن بأنفسهن.
وقد بدأت فتحية في رسم الحنة في منزلها قبل أن تفتتح محلًا خاصًا بها في 2019، بعد أن وصل أولادها لسن أكبر، ولمدة 4 سنوات تغير شكل عيد سيدات دار السلام، بسبب ليلة الوقفة التى يقضونها فى محل فتحية، ليلة برائحة اسوانية وبهجة العيد.
فى دائرة تجلس فيها السيدات، ترسم الحنة على يدها، تقول دينا محمد، ربة منزل، أنها أول مرة لها ترسم الحنة فى محل فتحية، لكنها كل عيد ترسم الحنة فى أماكن أخري، لها ولبناتها الثلاثة، حتى تربي بهم عادة الانبساط فى العيد، ومؤخرًا قررت البحث عن حنانة أسوانية أو سودانية بدلاً من حنة الكوافيرات، لأنها متخصصة أكثر وبنفس سعر الكوافيرات.
اختارت دينا الرسومات من على الإنترنت، حتى تنفذها فتحية لها، وأغلبها رسومات ترسم بالوشم "تاتو" ومن مواقع غير مصرية، بعيدة عن رسومات الحنة التقليدية، بينما بعض زبائن فتحية يطلبوا رسومات الحنة التقليدية حبًا فيها.
وتحكي أيضًا عبير علي، 35 عام، أنها انتقلت للعيش فى مصر منذ عامين، بسبب الحرب، وقررت أن تبحث عن رسامة حنة "حنانة"، حتى وجدت فتحية، توفر لها الحنة الحمرا التى تشتهر فى اليمن، واحيانًا ترسم الحنة السوداء بهدف التغير.
تعتبر عبير أن خلال العامين اختيارها لرسم الحنة فى العيد وأيام غير العيد يهدف إلى إسعاد نفسها، وتزداد السعادة فى العيد، لأنها ربة منزل تقضي 30 يوم فى العزومات والأعمال المنزلية التى تتضاعف فى رمضان، وحسب وصفها أنها جاءت لمصر باحثة عن حياة اسعد دون حرب، لذلك تختار كل سبل سعادتها فى الأعياد، والتى اهمها رسم الحنة.
تدخل فتحية فى عمل متواصل من يوم الوقفة حتى صباح أول أيام العيد، بمفردها دون مساعدة، بسبب وجود سيدات يطلبوا رسم الحنة، تحديدًا عندما يكون مسموح لهم التأخير يوم الوقفة والإنتظار لساعات من أجل رسم الحنة، ويعرف اولاد فتحية أنه اليوم الوحيد بالعام التى تغيبه عن المنزل فيه.
خلال ليلة من الرسم، توفر فتحية فى محلها "كنبة" كبيرة، يجلس عليها الزبائن، ويختاروا أن يونسهن الأغاني فى ذلك اليوم، وكل منهن تختار الأغاني المفضلة، بينما تركز فتحية على صنع الشاي لأنه مشروبها المفضل، وتشتري سكر وشاي زيادة لهذا اليوم إذا احتاج الزبائن.
"بحب الرسم فى العيد اكتر من الأفراح بسبب روح العيد" هذا هو وصف فتحية للعمل فى العيد، تتمني فتحية أن تستمر فى هذه العادة طوال السنين القادمة، حتى تحقق لسيدات دار السلام سعادة خاصة فى عيدهن.