سطعت الشمس لتملأ المدينة دفءً، نسمات عليلة تلطف الجو مع قليل من السحب يمر منها شعاع الشمس ليدفئ روحي بعد شهور من برد الشتاء القارص.
اسمي آسية، أكمل اليوم عامي التاسع عشر، سأقضي يوم عيد ميلادي في مدينة بعيدة عن أسرتي، وأحقق لنفسي أمنية عمرها عشر سنوات.
ماذا ستفعلين اليوم يا آسية!.. سأقود دراجة.
ارتديت زيًا رياضيًا، وسحبت زجاجة مياه وحقيبتي، أنزل على درج السكن الجامعي، وأفكر بتجربة قيادة الدراجة للمرة الأولى منذ عشر أعوام، منذ أن منعوني عنها وأنا صغيرة، المسافة بين موقع السكن ومكان الدراجات قصيرة، ولكن شوقي للتجربة زاد من إحساسي بطول المسافة حتى أني ركضت لأصل سريعًا. وضعت يدي على مقود الدراجة وكأني أحييها.
مرحبا عزيزتي. غبت عنك كثيرًا، لكنِ لم أنسكِ، 10 سنوات منعت عنك، ظنونهم غريبة.
أعشق الدراجات وتفاصيلها، وأشكالها، وألوانها، كانت الدراجة باللونين الأخضر والأسود، يمكن استئجارها عن طريق تطبيق إلكتروني، حملت التطبيق، وحددت موقعي لتشغيل الدراجة.
لم أستطع الصبر قفزت للركوب وحاولت تحريكها دون انتظار إتمام تفعيل حركتها، من دون صبر حاولت كثيرًا، أو هذا ظننت من لهفتي، كدت أبكي كطفل صغير ضاعت منه لعبته.
صوت جرس خافت من الدراجة أخبرني ألا أبكي هي فقط تحتاج دقيقة للتفعيل، أنا فقط متعجلة، لحظات وبدأت الدراجة تستجيب لحركة قدمي وتتحرك معي، أمتار قليلة حتي ضبط الحركة ثم انطلقت.
- ياهوووووووو.. استمتع بالهواء يداعب وجهي.
كانت المرة الأولي، التي أشعر فيها بنسمات الهواء كأنها داخل روحي، في سكون وهدوء تام.
كل شئ كان هادئًا تمامًا من حولي، كانت الطرقات فارغة إلا من أضواء خافتة بسيطة تنير طريق المارة حتى لا يتعثروا، كل شيء كان حقيقةً ممتع.
كيف قضيت أكثر من نصف عمري دون هذا الشعور العظيم..
بدأت أشعر ببرودة خفيفة في الجو ولكني امتلأت بدفء التجربة، كأني احلق في السماء، روحي تتراقص و حجابي من خلفي يتطاير مع الهواء.
لم يكن هناك شارع في المدينة إلا ومررت بدراجتي بين ضواحيه، أجري إلى كل زاوية، أتمنى أن يطول الوقت ساعات أطول، لم أتوقف إلا لثواني لشراء "كوكاكولا" لأكمل ليلتي الممتعة بطريقتي المفضلة.
فاجأني سؤال من خلفي.
- تقودين الدراجات منذ زمن طويل؟
استدرت لأجيب سريعا
- نعم؟
- اتركبين دراجات باستمرار؟
- للأسف لا، توقفت عن قيادة الدراجات منذ كنت في عمر الـ ٩، عشر سنوات من الانقطاع.
- لماذا؟
- اعتقاد بعض من الأسر العربية أن الدراجات تضر بالفتاة.
- متأسف لكِ لهذا.
- لا مشكلة.
- تقودين جيدًا، استمري.
- أشكرك.
ركبت دراجتي لأعود للتحليق بها من جديد كانت لساعات قليلة لكنها حلت على قلبي كل الطمأنينة التي تمنيتها طويلاً.
عاد الصوت من خلفي من جديد بأنفاس ثقيلة كأنه كان يجري بأقصى سرعته، نظرت خلفي لأجد نفس الشخص الذي كان حدثني منذ قليل ينادي:
- يا فتاة، يا فتاة.
- نعم؟
- أترغبين في مشاركة في مسابقة المدينة للدراجات؟ أعتقد أنك ستصلين المركز الأول.
لمعت عيناي حينما سمعت كلِماته، كأنها فرصتي الذهبية، لم أتردد للحظة
- موافقة، مستعدة.