لدي اليوم رحلة مع سائق تاكسي لم أعرف اسمه، مع ركوب السيارة كانت جولة عادية لعودتي من الجامعة حيث أدرس في روسيا منذ أربعة أشهر.
كان يومًا عاديًا بلا حدث استثنائي إلا أن قابلته، أستيقظ في السادسة والنصف صباحًا عاداتي الصباحية ثابتة لم تتغير، أصلي ثم أعد فطوري أحضر حقيبتي للذهاب للجامعة لأقضي ثماني ساعات، وأعود بعدها لأبدأ يومي في العمل المنزلي والتسوق لإعداد وجبة الغداء لنفسي.
الأغراض أكثر من المعتاد لذا طلبت سيارة أجرة لتوصيلي للمنزل، وصلت السيارة يقودها رجل ثلاثيني بملامح غربية بوجه أبيض و شعر أشقر لامع.
كان يومًا مرهقًا من المحاضرات، أغمضت عيني لأتخيل ما ينتظرني في المنزل من مسؤوليات، أشعر برغبة عارمة في الصراخ أسندت رأسي على زجاج نافذة السيارة أفكر ليقطع عني أفكاري سؤال من السائق.
- أنتِ عربية، من أي دولة؟
من مصر.
صمت قليلًا، أفكر في الرجل الذي يريد فتح حوار وأنا مازلت لا أتقن اللغة الروسية بعد ليته يصمت! ولكنه عاد للسؤال..
- مسلمة؟ أراكِ ترتدين حجاب!
نعم مسلمة.
- الحجاب فرض على كل المُسلمات البالغات، أليس كذلك؟
نعم، أمرنا الله في كتابه الكريم بالحجاب.
- سأل بغتة: من أحكام سورة النور؟
حاولت استيعاب السؤال، كيف وصل لأحكام الدين الإسلامي، و سورة النور، دفعني الفضول لسؤاله..
أنت مسلم؟
- ليس بعد، لكني أقرأ كثيرًا فيه و أتعلم اللغة العربية لأتمكن من قراءة القرآن الكريم بلغته الصحيحة.
بدأت أشعر بالارتياح وأقول له: أشجعك على هذا.
تغيرت أسئلته..
- تعرفين بأحكام النكاح؟ لا يتبعها الكثير هنا حتى المسلمين.
أعلمها.
- لا يجوز أن ينكح رجل امرأة دون زواج شرعي، أليس كذلك؟
نعم.
- لماذا لا يتبع العرب المسلمون هذا الحكم هُنا، أتألم حين أجدهم بهذه اللامبالاة.
لمعت عيناي بدموع حاولت إخفاءها من شدة صراحته، ولم أجد ردًا على أسئلته التي لم تنته فقط هنا، لم أتخيل أن أكون في هذا الموقف، ما فكرت فيه توقف على لساني.
بعد فترة صمت قصيرة عاد للحوار ليقول إنه يعرف 4 سور من القرآن، وبدأ في قراءة سورة الفاتحة، وجدت نفسي أردد آياتها معه، يعيدها وأردد معه، فقرأ سورة الفلق و الناس تليها سورة الكافرون، نرددها سويًا في سعادة.
ثم سأل هل يمكنك مساعدتي في حفظ سورة الكوثر؟ هي سورة قصيرة يمكنني حفظها في ٣ دقائق.
بدأت قراءة السورة وهو يردد بعدي.
بدأت أرتلها وهو من بعدي، أعاد ترديدها لعشر مرات توقف عندما وصلت إلى وجهتي؛ وكنت قد نسيت أني في رحلة عودتي للمنزل لم أكن أرغب في إنهاء الحوار، الذي لم أعشه قط.
قاطع أفكاري بقوله: وصلنا آنستي، و حفظت السورة.
يمكنك قراءتها قبل نزولي!
أعاد القراءة لثلاث مرات بصورة صحيحة، لمعت عيناي بالدموع مرة أخري ولكن فخرًا وفرحًا بهذا الرجل الكبير العظيم.
خفق قلبي بشدة وأنا أسمعه يتحدث عن استمتاعه بالمعرفة، استوعبت جملة "من يريد المعرفة، سيحاول حتى إن كانت كل السُبل مغلقة".
طلبت معرفة قيمة الرحلة ولكنه رفض، وقال بلطف: الرحلة مدفوعة آنستي، أشكرك على مساعدتك لي.
رفضت باستنكار كيف؟ لا يُمكن هذا.
بابتسامة هادئة قال الرحلة ثمنها قراءة القرآن معا، و حفظي لسورة جديدة، أراكِ مرة أخرى إن شاء الله.