تحصل السيدة السبعينية فاطمة على معاش شهري ألفيّ جنيه، وتعيش في منزلها رفقة ابنتها المطلقة وولديّها، ومنذ بداية العام الحالي اضطرت إلى التخلى عن شراء بعض أنواع الخضراوات والفاكهة، وشراء كميات أقل من أنواع أخرى، تقول "لو كنت بشتري الكمية نفسها والأنواع اللي اتعودت عليها كنت حصرِف المعاش كله على الخضار والفاكهة بس".
وكان زوجها يعمل في سلسلة محلات تجارية تتبع شركة قطاع عام، تضيف لـ"البورسعيدية": “لو كان قاللي شخص من سنة إن كيلو البصل حيوصل لـ 30 جنيه مكنتش حصدقه، تعبنا من ارتفاع الأسعار ومعرفش حتوصل لفين الأيام الجاية".
وأدت نسبة الزيادة في أسعار السلع الغذائية وتزامنها مع انخفاض متلاحق في قيمة الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، فقبل عام واحد، كان يتوقف سعر الدولار مقابل الجنيه المصري عند 19 جنيه وفقًا للبنك المركزي، ليشهد هذا العام سلسلة من قرارات "التعويم" ليرتفع الدولار الواحد إلى 22 جنيه ثم 26 ثم 29 ويستقر عند 31 وسط توقعات بارتفاعه مجددًا.
لا تتابع فاطمة سعر الصرف ولا تحسب قيمة معاشها مقابل الدولار، لكنها تتابع الارتفاع المتسارع في أسعار كل احتياجاتها الأساسية لدرجة تجعلها دومًا تضطر -مثل غيرها من الأسر ذات نفس معدل الدخل- إلى خفض كمية الاحتياجات التي اعتادوا شرائها في سنوات سابقة، ورغم إعلان الحكومة المصرية عن مبادرة لخفض أسعار السلع الأساسية في الأسواق، لم يتم تفعيلها على أرض الواقع حتى الآن، وسط انتظار من فاطمة وغيرها من محدودي ومتوسطي الدخل.
ولا تتصور فاطمة هذه القفزات في الأسعار ولا يستطيع معاشها الشهري ملاحقتها، ترد بقلة حيلة: “شراء الخضراوات أسبوعيًا يكلفني أكثر من 400 جنيه، وده بعد التخلي عن البروكلي والليمون والجزر والفلفل الملون، وأصلًا الغلاء اضطرني لشراء خضراوات جودتها سيئة لو كان سعرها أقل ويناسب الميزانية".
وتشير بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء إلى أن معدل التضخم السنوي في مصر وصل إلى 38% خلال سبتمبر الجاري، مقابل 37.4% خلال نفس الشهر من العام الماضي، وسجلت قسم الطعام والمشروبات ارتفاع بنسبة 3.6% بين شهري سبتمبر وأغسطس 2023 فقط.
ويكشف التقرير أن أسعار الطعام والمشروبات زادت بنسبة 37.6% على أساس سنوي، بسبب تغير أسعار مجموعات الحبوب والخبز بنسبة 45.8%، واللحوم بنسبة 92.8%، والأسماك والمأكولات البحرية بنسبة 80.2%، والألبان والجبن والبيض بنسبة 70.8% والزيوت والدهون بنسبة 29.4%، والفاكهة بنسبة 70.9%، والخضروات بنسبة 114.6%، والسكر والأغذية السكرية بنسبة 46.8%، والبن والشاي والكاكاو بنسبة 68.7%.
وقد حاولت الحكومة المصرية تخفيف حدة أزمة زيادة أسعار السلع، وأصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي في 16 سبتمبر الماضي قرارًا بزيادة الحد الأدنى للأجور لكافة العاملين بالجهاز الإداري للدولة والهيئات الاقتصادية للدرجة السادسة من 3500 جنيه إلى 4000 جنيه، وزيادة علاوة غلاء المعيشة الاستثنائية لتصبح 600 جنيه بدلًا من 300 جنيه، لكافة العاملين بالجهاز الإداري بالدولة، والهيئات الاقتصادية، وشركات قطاع الأعمال والقطاع العام.
ولا ينطبق الحد الأدنى للأجور على المعاشات، التي تزداد في يوليو من كل عام بنسب محددة، ارتفعت إلى 15% يوليو الماضي، وقد زادت في أكتوبر العام الماضي بمقدار 300 زيادة استثنائية بقرار من رئيس الجمهورية ومن المقرر أن تزيد أيضًا هذا الشهر بمقدار 600 جنيه بدلًا من 300 وذلك وفقًا لتوجيهات رئيس الجمهورية، لكن قد يظل صاحب المعاش رغم الزيادة مثل- فاطمة- تحت الحد الأدنى للأجور.
ويعمل محمد صلاح الدين، 45 عامًا، بأجر 4300 جنيه، في شركة قطاع خاص بإحدى مصانع الاستثمار جنوب بورسعيد، وعلى الرغم من عمل زوجته أيضًا فإن دخلهما سويًا لا يكفي احتياجاتهما وثلاثة أبناء، يقول: “أسعار الطعام خيالية".
ويبلغ حاليًا الحد الأدنى لأجور القطاع الخاص نحو 3000 جنيه، وذلك وفقًا لآخر زيادة تم إقرارها من جانب المجلس القومي للأجور، إذ نص القرار الذي تم تطبيقه في شهر يوليو الماضي، على أن يزداد الحد الأدنى للأجور للعاملين بالقطاع الخاص من 2700 جنيه إلى 3000 جنيه.
ويحتاج صلاح الدين إلى ضعف راتبه ليكفي نفقات الطعام فقط لأسرته، دون أن يذكر باقي نفقات المعيشة مثل الإيجار والمواصلات والعلاج والتعليم.
وصار الذهاب إلى السوق كابوس له فالسلعة سعرها في المساء يتغير عن الصباح، يقول: “منذ بداية ارتفاع الأسعار قاطعت اللحوم البلدي واستبدلتها بالمجمدة، وأشتري الفاكهة مرات تقل عن أصابع اليد الواحدة شهريًا، لن نموت إذا لم نأكلها، لكن بعد الارتفاع المبالغ فيه بأسعار الخضراوات ماذا نفعل.. هل نقاطعها ونستبدل السلع الأساسية للطعام المصري مثل البصل والثوم؟"، يسأل في حيرة ودهشة.
وهذه القفزات تفوق قدرة أسر كثيرة، من بينهم "ر.ص" 35 عامًا، تقول: "أنا ربة منزل لديّ ولد وبنت في المرحلة الإعدادية، زوجي يعمل سائق تاكسي، ويحصل على مصدر دخله بشكل يومي مما يضطرني للذهاب للسوق يوميًا، والانزعاج من ارتفاع الأسعار الذي أصبح أمر معتاد".
ويتراوح الدخل اليومي لزوجها ما بين 200 و250 جنيه، في حين تحتاج أسرة "ر" إلى نصف هذا المبلغ يوميًا إذا كانت وجبة الطعام لا تحتوي على بروتين وتقتصر على الخضراوات والنشويات.
ولا تعرف "ر" ماذا تفعل في حال طلب منها الأبناء أكلة مفضلة اشتاقت نفسهم لها، تقول: “في الأسبوع الماضي طلبوا مني وجبة فاصوليا وأرز ولحمة، ذهبت إلى السوق لإحضار الطلبات وكانت كالتالي، كيلو فاصوليا 30 جنيه، كيلو طماطم 15 جنيه، كيلو بصل 30 جنيه، ورأس ثوم 5 جنيهات، كيلو أرز 22 جنيه، وكيلو لحمة مجمدة بسعر 200 جنيه، ليكون إجمالي سعر وجبة الغذاء فقط حوالي 300 جنيه".
تضيف: "ظروف المعيشة صعبة، وارتفاع أسعار الخضراوات بالتحديد يزيد أعباء الأسرة، الوجبة المكونة من الفاصوليا والأرز فوق قدرتنا، بالإضافة إلى وجبة الإفطار التي يأخذها أولادي إلى المدرسة والتي غاب عنها الخضراوات والفاكهة".